تراجعت صناعة الفخار كثيراً في العقود الأخيرة أمام هجمة منتجات الصناعات البلاستيكية والمعدنية والزجاجية المختلفة والمتعددة الأغراض، إضافة إلى عدم احتياج السكان في المدن والأرياف لأواني الماء الفخارية بعد تأمين المياه عن طريق الشبكات المائية، لذلك تناقصت بشكل طبيعي أعداد الأيدي العاملة في صناعة الفخار، ويطلق على أصحاب هذه المهنة “الفواخرجية” وعلى أماكن صناعتها “الفاخورة” رغم أنها تطورت لتصبح من الصناعات الفنية التقليدية أسوة بالتحف الفخارية القديمة المكتشفة أثناء التنقيب عن الآثار والمنقولة إلى المتاحف السورية، ولكن أصبحت هذه القطع المصنوعة حديثاً تأخذ أشكالاً أكثر عصرية وجمالية من خلال طليها بالألوان الفضية والذهبية، ويرى الزائر والسائح في أسواق المدن السياحية نماذج متعددة للمنتجات الفخارية، إلى جانب منتجات تراثية أخرى تشكّل وثيقة للمهن اليدوية الباقية في الحياة المعاصرة.

وعند الرجوع إلى الماضي القريب يتضح أن فائدة الفخار لم تقتصر على الجانب التزييني كما هو حاله اليوم، بل كان لهذه المادة التي تعرّف إليها أجدادنا القدماء عن طريق المصادفة فوائد جمة في حفظ أطعمتهم خلال مدة زمنية طويلة قبل أن يعرف الإنسان الثلاجات والمبردات الحديثة، ومن المعروف أن التراب الذي يُصنع منه الفخار يحتوي على مادة “الكاولين” القاتلة للسموم والجراثيم التي تتشكل بالأطعمة والمشروبات، ولذلك دخلت مادة الكاولين في أكثر أنواع الأدوية والعقاقير الحديثة.

ويستخدم في صناعة الفخار طين خاص هو عبارة عن تراب أحمر مشبّع بماء المطر لدرجة كافية، حيث يتحول إلى كتل طينية صغيرة، ويتم شوي الفخار المصنّع في أفران عالية الحرارة، وله أنواع وأشكال متعددة لكلٍ منها مواصفات وأسماء مختلفة، منها مثلاً الإبريق الصغير ويُسمى “بلبل” والكبير ويُسمى “كراز” والأكبر يسمى “عسلية” ثم “الزير” المخصص لتخزين مياه الشرب والمحافظة على برودتها أثناء فصل الصيف.

ولَعل الشكل المعروف أكثر من غيره في المنتجات الفخارية تظهره “الجرار” المتعددة الأغراض، وتُسمى “مصاخن”، ومفردها “مصخنة”، وتستخدم في حفظ وتبريد كمية كبيرة من الماء فتكون له نكهة خاصة وطعم عذب في أوقات الحرارة المرتفعة، وهناك جرار لحفظ اللبن وتبريده وهي ذات فوهة كبيرة تسمى “حجلة” أو “الحلة”، كما يطلق على جرة اللبن في بعض المناطق “المخضّة” وهذا ما نراه بشكل واضح في القرى حتى الآن إذ يُخضّ اللبن وتُستخرج منه الزبدة لصنع السمن العربي.

وعن واقع هذه المهنة وما آلت إليه يقول فهد المؤذن أن صناعة الفخار كانت جزءاً من تقاليدنا الشعبية وفلكلورنا الأصيل، ولها تاريخها العريق، حيث انتشرت في مدينة حمص وحدها أكثر من ثلاثين فاخورة كانت تلبي حاجة الناس من أدوات الاستعمال اليومية التي كان أكثرها يصنع من الفخار كالجرار وأواني الأكل والخوابي المخصصة لشرب الماء وخض الحليب والأصص الفخارية بأشكالها وأحجامها المختلفة التي تستخدم كأحواض لنباتات الزينة داخل البيوت وعلى شرفاتها، إضافة لمطامير الأطفال وهي الخزانة الفخارية المغلقة التي كان الأطفال يدخرون فيها النقود المعدنية.
“تتضمن مراحل تصنيع الفخار عدة عمليات تبدأ بمرحلة تكوين الصلصال ضمن أحواض الترسيب، ثم مرحلة العجن ومرحلة التصنيع على الدولاب وأخيراً مرحلة الشوي. فبعد أن تتم عملية تنقية التراب خارج الفاخورة تبدأ عملية تحضير الصلصال في الداخل بترسيبه في حوضين تمتد بينهما قناة صغيرة ذات مناسيب مختلفة، ويضاف الماء يومياً لمدة أسبوع بحيث ينتقل الطين الناعم إلى الحوض الثاني السفلي، بينما تبقى المواد الخشنة في الحوض الأول، وبهذا يكون الفاخوري قد حصل على نوعين من الطين الخشن، المستخدم لصناعة جرار التخزين، والطين الناعم المستخدم لصناعة الأواني التي تتطلب دقة وإتقاناً، وبعدها تبدأ عملية العجن في مكان ملاصق لأحواض الترسيب فوق أرضية مبلطة بالحجر الأسود المصقول، وبعد أن يتم اختيار الصلصال المناسب يوضع فوق الأرضية وتبدأ عملية العجن بالأرجل بقوة، وبعد الانتهاء من عملية العجن يُغطى الصلصال بغطاء بلاستيكي ويترك لليوم الثاني ليتخمر ويأخذ حجمه الطبيعي، بعدها تبدأ عملية تصنيع الآنية الفخارية فنقوم بوزن كتلة من الطين، أو “عركة” حسب التعبير المهني، لنستطيع تقدير الحجم المطلوب لتصنيع الآنية المراد تصنيعها، ونقوم بعجنها ونضعها على القرص ونبدأ ببناء الإناء نتيجة دوران القرص ونبلل اليد بالماء على مدى مراحل التصنيع لإكساب القطعة المرونة المطلوبة”.