تعايش أهل الخليج في الماضي مع البحر، وارتبطوا به، سفرا وتجارة وغوصا وصناعة للسفن، والمتتبع لنمط حياتهم في مرحلة ما قبل النفط يجدها تدين للبحر، خاصة وأن بيئتهم الصحراوية المجدبة في ذلك الوقت كانت بيئة طاردة، إلا أن البحر كان منطقة جذب، فامتهنوا الحرف المتعلقة به، فمهروا في الملاحة، وصيد الأسماك والغوص على اللؤلؤ، وبرعوا في صناعة السفن وذهبوا إلى أماكن الغوص وصيد الأسماك، وارتحلوا إلى مختلف موانئ الخليج وإلى الهند والسواحل الافريقية للتجارة ونقل البضائع. وكانت صناعة السفن على مختلف أنواعها وأشكالها هي البداية والأساس بالنسبة لهم، لأنهم ركبوا هذه المحامل نحو قاع البحر الذي استخرجوا من أحشائه اللؤلؤ، وارتادوا مياهه الزرقاء بالقرب من الساحل أول الأمر، ثم وصلوا إلى شبه القارة الهندية وساحل إفريقيا الشرقي.

وتعتبر الجلافة وهي “مهنة بناء السفن” جزءاً أصيلاً من تراث أهل البحر، فامتلكوا في هذا الجانب خبرات واسعة، ثم اشتهرت صناعة السفن في الإمارات بشهرتها العريضة التي استمدتها من خبرة “الجلاليف”، الذين أجادوا هندستها ووضع تصاميمها، التي كان يقوم بها “الأستاذ” الذي كان يعتبر بمنزلة مهندس، ولا تزال هذه الحرفة قائمة في مواقع عديدة داخل الدولة وعلى طول امتداد الخليج العربي، ولا تزال تقاليد بناء السفن الخشبية مستمرة إذ يقوم الجلاليف المهرة ببناء السفن بنفس الطريقة التي اتبعها أسلافهم دون الحاجة إلى استخدام الكمبيوتر أو المعدات الحديثة. ولإلقاء الضوء على هذه الحرفة، وإيمانا بالأهمية البالغة في تدوين التراث الحضاري نحاول ان نفتح أبواب التاريخ للعبور إلى الحاضر، في محاولة لتوثيق تاريخ مهنة الجلافة