بتنا نعيش تعالماً مجتمعياً جعل أحدنا يستنكف أن يقول في أمر لا يعرفه: لا أدري.
مع أن الأولين كانوا يقولون، كما كانت أمي تعلمنا دوماً: كلمة مدري ترفع قدري. أي أن اعتقاد أن عدم العلم في أمر ما ليس نقيصة ومثلبة كما قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى، وقديماً قال المتقدمون لتقرير هذا المعنى: من قال لا أعلم فقد أفتى!

قبل شهر تقريباً كنت في حفل توقيع كتابي (ذكريات سمين سابق) في معرض أبو ظبي للكتاب، وسألني صحافي فاضل سؤالاً استمرت مدة طرحه نحواً من دقيقتين أو أكثر! كان معنى السؤال ولبه عن السبيل الذي يمكن للأمة أن تعالج هذا التضعضع في تنميتها وثقافتها من خلال معارض الكتاب هذه؟!

أصدقكم أن السؤال كان مرصوصاً بألفاظ أهم من التي استخدمتها هنا، بما يوحي بأن الموضوع الذي يتحدث السائل عنه هو موضوع مهم ومصيري. وعندما انتهى من إلقاء السؤال المحاضرة، صمتُ، فأومأ برأسه أن أجب، فقلت له: نعم! قال: أجب. فقلت له: لا أدري!

انتثرت في وجه الرجل علامات استفهام تكفي حضور المعرض كلهم ذاك المساء، وقال: كيف لا تدري؟!

قلت: بالفعل لا ادري. وانا لا احب ان اتحدث فيما لا اعرف، لأني أكره الافتئات على غيري في معارفهم وتخصصاتهم.

قال: لكنك في برنامجك لا تحب أن يجيبك أحد بلا أدري.

قلت له: ليس صحيحاً، لكني أحاول أن أسأل ضيوفي فيما يفهمون، أو أحسبهم كذلك.

من فضل الله علينا أنه لم يكلفنا بأن نتخذ رأياً وموقفاً في كل قضية وكل موضوع، ومن النقول الجميلة تلك التي كان الشيخ محمد الأمين الشنقيطي يقولها لأحد ابنائه مربياً وناصحاً: يا بني إن الله يوم القيامة لا يسألك لِمَ لم تلعن فرعوناً، ولكنه يسألك عن ما كلفك به!




منقوووووووووول من المبدع تركي الدخيل