الحمام الزاجل.. طائر المهام الصعبة
هو الجاسوس ومرسال الغرام. هو ساعي البريد مهرب المخدرات وهو ايضا الملك.. هذه الألقاب والصفات التي قد تبدو متعارضة في كثير من الأحيان وغيرها الكثير هي لشيء واحد والغريب أنه لا ينتمي الي بني البشر إنه ذلك الطائر الرائع المسمي بالحمام الزاجل الذي حير عقول العلماء لسنوات لسبر أغواره فبعد سنوات عديدة انفقها علماء بريطانيون وباحثون من جامعة اكسفورد لمعرفة سر الطريقة الخارقة التي يتمكن بها هذا الطائر من العودة الي موطنه اكتشفوا ولكن بعد 10 سنوات ان هذه الطيورتستعين بالشمس في معرفة مساراتها وقد نشرت صحف بريطانية تصريحات علي لسان هؤلاء الباحثين أشاروا فيها الي انهم اكتشفوا ان الحمام يطير علي الطرق السريعة وينعطف عند مفارق الطرق بل ويدور حول الميادين الدائرية وقال أحد هؤلاء العلماء وهو البرفيسور تيم جيلفورد لصحيفة التايمز اللندنية انه من المدهش ان تري الحمام يطير بصورة مستقيمة علي طريق أكسفورد إيه 34 ثم ينعطف بزاوية حادة عند اشارات المرور ثم يعود أدراجه حول الميدان وقال جيلفورد مفسراً كيفية حدوث ذلك بقوله ان الحمام يستخدم نظامة الملاحي الخاص به عندما يسافر لمسافات طويلة أو عندما ينطلق في رحلة لأول مرة.إلا أنه عندما يعتاد علي رحلة فإنه يعود لوطنه في مسارات روتينية.. لم تكن هذه الدراسة البريطانية هي الوحيدة التي حاولت فك طلاسم ذلك الطائر العجيب ولن تكون الأخيرة فالشيء المؤكد أن هذا الطائر الرائع ما زال يحتفظ بالكثير من الأسرار التي جعلته ملك الحمام.
ومرسال الغرام والجاسوس وساعي البريد وغيرها من الأدوار.
مرسال الغرام أو رسول العشاق واحدة من أطرف المهام التي قام بها الحمام الزاجل كخدمة مجانية للمحبين في كل مكان.. في وطننا العربي قام الحمام الزاجل بنقل رسائل خاصة من هذا النوع بين عاشقين من منطقتي الجليل. الجنوب اللبناني. فقد حملت إحدي الحمامات البيضاء رسالة غرام بين فتاة من منطقة كفر قاسم في الجليل الفلسطيني المحتل وشاب من جنوب لبنان.. اكتشف الرسالة بالصدفة أحد سكان بلدة كفر تبنيت اللبنانية ويدعي أحمد كامل زيتون حيث عثر علي طائر حمام زاجل أبيض اللون علي سطح منزله وفي رجله حلقة حديدية تحمل رقماً وتحمل بداخلها رسالة كتبت باللغتين الانجليزية والعبرية وأشارت صحيفة السفير اللبنانية الي ان الرسالة تضمنت شكراً من فتاة الي شخص علي اللحظات السعيدة التي أمضياها معاً آملة أن تصله الرسالة وابلاغها بذلك علي العنوان الالكتروني الموجود في الرسالة كما ذكر فيها عنوان في منطقة كفر قاسم. إلا ان زيتون الذي عثر علي الطائر قام بتسليمه الي مخفر قوي الأمن الداخلي جنوب لبنان والتي قامت بدورها بتسليمه الي مصلحة الزراعة للكشف عليه والتأكد من سلامته خاصة بعد ورود عشرات الاتصالات للمصلحة للإبلاغ عن وجود طيور مهاجرة نافقة أو حية من بينها طيور دجاج وحمام.
المهرب
وعلي النقيض من دوره السابق كمرسال للغرام تقمص الحمام الزاجل دور مهرب المخدرات فقد أوضح المحققون الروس ان المجرمين في مقاطعة ستراخان سيستخدمون علي ما يبدو الحمام الزاجل كوسيلة لنقل المخدرات الي زملائهم المسجونين وذكرت وكالة انترفاكس الروسية للأنباء أن الحمام الزاجل كان يقوم بتسليم المخدرات الي السجناء ثم يعود الي أصحابه حاملاً الأموال التي يسددها الزبائن السجناء. وذكر تقرير صادر عن مكتب المدعي العام الروسي ان دورية للشرطة كشفت هذا المخطط بعد ان أوقفت سيارة اشتبهت بها وهي متوقفة بالقرب من سور سجن اصلاحي يتمتع بحماية أمنية عالية.
ساعي البريد
دور ساعي البريد كان من أقدم الأدوار التي تقمصها الحمام الزاجل حيث ذاع صيته علي مدي طويل في مجال نقل الرسائل ولذلك اطلق عليه المراسلة.. وكانت أول رسالة يحملها الحمام في التاريخ عندما أرسل سيدنا نوح عليه السلام الحمام ليبحث عن أرض وهو في سفينته وعاد اليه الحمام حاملاً غصن زيتون.. كما استخدمه بعد ذلك سيدنا سليمان فيما سخره الله له من الطيور.. كان العرب هم أول من فطنوا الي مميزات الحمام الزاجل فاستخدموه أولاً في نقل البريد العادي حتي كاد ان يكون وسيلتهم الوحيدة لتحقيق هذا الغرض بعد ان تباعدت أطراف الدولة وترامت حدودها في عهد الدولتين العباسية والأندلسية. وكان من البديهي أن يعمدوا الي استخدامه بعد ذلك لنقل الرسائل الحربية وخاصة حالات الحصار للقوات المتحاربة.. حيث ا ستخدمه العرب أثناء الحملة الصليبية علي بيت المقدس وكان للحمام الفضل في إنقاذ الاف المقاتلين من الفناء عند اشتداد الحرب في الحرب العالمية الأولي والثانية مما حدا بمختلف الدول الي العناية بهذا الحمام بأقصي حد من العناية.. فقد يكون لحمامة واحدة الفضل في انقاذ جيش بأسره من الحصار أو مدينة بأهلها من هجمات العدو عليها حين تقطع هذه الحمامة الفضاء سريعاً لتعود الي القوات المحصورة أو المدينة المهددة بالقوات المهاجمة.. فتعمل علي انقاذها، مثل هذه الحمامة لا يعادلها ثمن ولا توزن بنفيس الجواهر وكما يشهد لها عالم البطولات انها نجحت في انقاذ العديد من القوات من الهلاك والدمار.. وقد أبدت البلاد الأخري اهتماماً بالغاً بالحمام والعناية بتربيته للاستفادة منه مثل بلجيكا وكان للبلجيك أساليب في تربيته لا يفوقهم فيها أحد حتي انهم كانوا يشيدون منازلهم في مناطق معينة من بلادهم بحيث تكون اسطحها مجهزة بأتم استعداد لأن تقام عليها غيات ومطارات للحمام الزاجل ويلي بلجيكا في الولع بهذه الهواية انجلترا ولعلها أكثر الدول عناية به وبحفلات سباقه حتي انها اشتهرت بأنها أنتجت من التربية ابطالا كثيرين منه ويلي فرنسا انجلترا ألمانيا وايطاليا وفرنسا.
الجندي
استطاع الحمام الزاجل بعد انتقاله من حياة المدنية ان يندمج في صفوف القوات المسلحة وأن يتقمص باقتدار يلفت الأنظار كونه أحد أفرادها حيث استطاع تقبل التغيير الهائل في الحياة العسكرية سواء في السكن أو العادات والطرق الجديدة للتدريب علي العمليات العسكرية وكيف يخترق النيران من حوله وأصوات الانفجارات تحيط به حتي يكون ملائماً للوظيفة الجديدة التي سوف يشغلها داخل الجيش وينقل المهندس المصري محمد احمد الحسيني في مؤلفه الرائع كل شيء عن الحمام الزاجل انه أثناء الحرب الفرنسية عام 1870-1871 وعندما حوصرت باريس عدة أشهر تم تبادل ما يقرب من 150 ألف رسالة حملها الحمام الزاجل..الي هذا الحد بلغ اعتماد الجيوش في تلك الفترة علي الحمام الزاجل في نقل هذا الكم الهائل من الرسائل خلال عام واحد..
نجاح
وفي الحقيقة فإن اهتمام العسكريين بالحمام الزاجل لم يكن قاصراً علي الأوروبيين وحدهم ففي عام 1878 أنشئت نواة للحمام الزاجل بالجيش الألماني قبل ذلك وفي الحرب الكورية استخدمت آلاف من الحمام الزاجل علي هابطي المظلات حيث قامت بتوصيل ما يزيد علي مائة ألف رسالة وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وصل عدد الجنود الذين خدموا في سلاح الإشارة الزاجلي للقوات الأمريكية فقط حوالي ثلاثة آلاف صف وعسكري وحوالي 50 ضابطاً قاموا بتدريب ما يزيد علي نصف المليون حمامة زاجلة أدت خدمات جليلة لقوات الحلفاء في كل ميادين الحرب علاوة علي الحمام الانجليزي والفرنسي والبلجيكي. حيث اشتركت كلها في جميع العمليات التكتيكية ومعظم هذه العمليات كانت في الخطوط الخلفية.وقد ثبت من الاحصاءات التي اجريت خلال الحرب العالمية الثانية ان استخدام الحمام الزاجل قد نجح بنسبة 90%.
سلاح الإشارة
الحمام الزاجل يمكن اطلاقه من سيارات الجيب أو من علي ظهر سفينة حربية أو من طائرة وإسقاطه بالبراشوت ويمكن حمله علي ظهر جندي وعموماً فالحمام الزاجل يتواجد دائماً مع سلاح الاشارة سواء كان في الجيش أو البحرية أو خفر السواحل أو مشاة البحرية ونتيجة للتقدم الكبير في طرق تدريب الحمام علي قطع المسافات الطويلة وسرعة الوصول الي الهدف فقد استطاع الحمام ان يصل الي مسافات قد تصل الي 500 ميل في اليوم الواحد وبسرعة أكثر من 70 ميلاً في الساعة وكانت فترة الحرب العالمية من الفترات التي أسعدت مستخدمي الحمام الزاجل جداً لنجاحه في المهمات الخاصة والعودة الي بيته رغم طيرانه تحت ظروف الحرب وتدمير ونيران وجبال مرتفعة.
الجو
جرت عدة محاولات خلال الحرب العالمية الثانية لاستخدام الحمام الزاجل عن طريق إلقائه من الطائرة وهي في الجو وقد كانت التجارب الأولي يقابلها العديد من الخسائر نظراً للخطورة التي تواجه الحمام عند القائه من الطائرة رغم ان الطائرات كانت تقلل سرعتها جداً بينما يسقط الحمام ضاماً جناحيه حول جسمه الي ان يستطيع الطيران مرة أخري.. وكانت هذه الخسائر في العديد من الحمام الذي يقتل أو يفقد ريشه نتيجة سرعة الهواء عند القاء الحمام.ثم كانت محاولات أخري بوضع الحمام في صناديق من الخشب الرقيق أو الورق المقوي وللصندوق غطاء مربوط في الطائرة بخيوط دقيقة ومتينة.. ويتم القاء الصناديق من الطائرة ولا يفتح الصندوق إلا بعد فرد الخيوط المربوطة في الغطاء وحينئذ ينفصل الغطاء عن الصندوق فيطير الحمام دون ان يتعرض لسرعة الريح حول الطائرة.. خاصة اذا كان طول الخيط بالطول الكافي للبعد بالحمام عن الريح الشديدة الناتجة من طيران الطائرة محاولة أخري تمت عن طريق وضع جهاز توقيت داخل الصندوق ليفتح بعد وقت معين بعيداً عن الطائرة وما يتبعها من رياح شديدة . وكان ما يعيب هذه الطرق هو دوران الصناديق حول نفسها بسرعة بعد قذفها من الطائرة يحيث لا تعطي للحمام الفرصة للخروج منها بسهولة وعدم تمكن الحمام من رؤية الأرض للخروج من الصندوق في الوقت المناسب. وقد لجأ الايطاليون الي القاء الحمام الزاجل من الطائرات في أكياس من الورق علي حجم الحمامة علي ان يتم عمل فتحة تخرج منها رأس الحمام حتي يري الحمام الأرض فيمزق الكيس ويخرج منه قبل اصطدامه بالأرض..
وسيلة اتصال
من الأدوار المتميزة التي لعبها المام الزاجل في الحروب ايضا كونه وسيلة اتصال بين قطع الأسطول حيث يتم الاحتفاظ بالحمام في أبراج أو مساكن خاصة ذات ألوان واضحة حتي يتعرف عليها أثناء طيرانه وعودته ويتم تدريبه بعد ان يتعرف الحمام علي مسكنه ويحط عليه بعد الطيران اليومي فيتم البدء في تطييره من سفينة لأخري فيظل يحوم في الجو باحثاً عن المسكن الخاص به فيتم حبسه بمجرد ان يراه
مواقع النشر (المفضلة)