اودع الخالق سبحانه وتعالى في كل إنسان طاقة نفسية لا يستهان بها وهي ما تسمى بـ(ايجابية الشعور) التي تدعم الفرد بالتفاؤل والامل، والرحمة والرفق، والنظرة المشرقة لعمل (الدنيا والآخرة) والمؤمن مطالب بالبحث والسعي إلى فضائل الحق، وتلكم لعمري خصائص المجاهدة والشجاعة (حياة المسلم) إذ ان ما يحيي نفسه ان يستنبت في بشريته كياناً متكاملا يقوم به كل جوانب شخصيته حتى تشيد وتستقيم بصفات الحق وفضائل الخير، فمن هدى إلى ذلك واعين عليه فهو من البشر الحي، اما من استغنى واصم اذنيه ومر كبهيمة الانعام فهو الميت وان كان يمشي على الأرض.

* السعادة البكر اودعها الله عز وجل في كل البشر ولكن الشقي من رآها واستعملها لدنياه فقط، واغفل الآخرة أو عمي عنها. اما السعيد فهو من تعامل معها لخيري الدنيا والآخرة، ووجد لذتها في كل عمل وقول يربطه بخالقه الرباط الوثيق ليكون عقداً وميثاقاً يستمد منه القوة، ويصل به إلى الآخرة وكيف لا يعمل ويجتهد ويأخذ باسباب السعادة بداية من الدنيا واستمراراً إلى المستقر والابدية في الآخرة التي هي (الحياة الباقية).

* ان السعادة الحقيقية ليست الا للمؤمن فنور الايمان وحلاوته وطلاوته لا يمكن ان يشعر به الا المؤمن الموحد ولن يشعر به غيره من الناس، قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

* ان الأشياء الجميلة والقيمة في حياتنا ما كان قد مر بك (لأول مرة) في حياتك فاخذ موقعه بجدارة وصدق في القلب والفكر والنفس بما لم يمض عليك من قبل، ولم يمض باجمل منه قط. فيبقى ذلك الإحساس (خلجات) تدعم المعنويات، ووسام اعتزاز ومحبة صادقة تشعرك بالقيمة والمعنى والاعتبار الحقيقي للحياة وهذا أرقى شعور (يلامس الوجدان) إذ انه يبقى حياً مهما مرت عليه السنون وتتالت الأعوام.

* اذاً فالسعادة هي الحس المعنوي الذي يدعم النفس بالشجاعة والقوة في الحق والاعتزاز والفخر بالمبادئ والقيم هي (التقوى) بعينها فهي طريق الاستقامة والعدل والحكمة والحلم والانصاف والرقي الإنساني رفيع المستوى بالحزم والعزم والعقلية الناضجة والفكر النير المضيء، والرفق والرحمة والتسامح، وكثير جداً من هذه الفضائل التي ترقى بالانسان وتسمو.. ذلك فيمن يتقي ربه، فيتقي مبتعداً عن كل امر يغضبه تعالى هم المطبقون والعاملون بما امر الله به، والناهون المنتهون عما نهى الله عنه وقد هدى الصحابة الناصحين صحب رسول الهدى الأمين صلى الله عليه وآله وسلم، والسلف الصالح رضي الله عنهم وارضاهم أجمعين إلى احياء قلوبهم واستنبات ما شاء الله لهم من الفضائل في حياتهم، وتشربتها شخصيتهم فقامت واستقامت على البر والتقوى، وقومت بشريتهم على الحق والهدى والايمان، وكان مددهم ومدادهم في كل ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وما كان من تأمل وتفكر في آيات الكون واسرار الحياة.. وقد وصف الله ذلك منهم في القرآن الكريم، وضرب المثل له في التوراة والانجيل قال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً).

* انها العبادة لله تعالى باخلاص تلك السعادة المستمدة من الحب العظيم لرب العالمين، تهون مصائب الدنيا وتجعل المستحيل ممكناً والصعب سهلاً، هي الطاقة النفسية الكبرى التي يجب ان يحسن استعمالها المؤمن ويجيد ادارتها فهي علم قائم بذاته، وفضاء رحب من التأمل والتفكر في آيات الله ومعجزاته، وصحة نفسية، وعافية فكرية بدنية، وسلوكيات نفسية اجتماعية.. انها بالنتيجة المشاعر الايجابية حسناتها لا تحصى فهي عطاء (النفس المطمئنة) وهي المناعة الاقدر بمشيئة الله لحماية المؤمن من كل مرض وعدوى باذن الله.

دعاء

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.