نعم " مرحباً بالعدوان الأمريكي " ، ليس في العنوان خطأ أصلي ولا مطبعي ، إنه ترحيب من نوع آخر ، وقطعاً ليس الترحيب بهذه الحرب التي تحدث في عصر الحضارة والعدالة وحقوق الإنسان وفي الألفية الثالثة ، في القرن الحادي والعشرين ، بسبب ما اجتمع فيها من القبائح ، فهي جريمة إنسانية ، ومعصية دينية ، ومخالفة قانونية ، ومحرقة ديمقراطية ، وحماقة سياسية ، ورعونة عسكرية ، ومهزلة إعلامية ، ليس الترحيب بهذا ولكن الترحيب بالأثر الإيجابي الذي ظهر في الوعي الفكري ، والشعور النفسي ، والسلوك العملي على مستوى الفرد والأمة بقدر متفاوت ، وهذه بعض تلك الثمار التي نرحّب بها :
1- ظهور الوعي العميق بحقيقة مخططات الأعداء ؛ إذ سقطت ورقة التوت عن أمريكا ، وتجلّى زيف ادّعائها بحماية ، وكذب شعاراتها في نشر الحرية والعدالة ، وانكشف المنهج المصلحي الذي تتبنّاه ولغة القوة التي تفرضها ، وعصا الإرهاب التي تسوق بها الدول والشعوب لتسّخرهم لتحقيق مطامحها ، وهذا الوعي هو الباعث على اليقظة والحذر والدافع للحماية والوقاية .
2- ظهور حقيقة العداء للإسلام ، والاستهداف للمسلمين ، واعتبار الإسلام العدو الأول ، وإلصاق التهم به وبأتباعه ، كالتطرف والإرهاب والعنف وعدم الاعتراف بالآخر وغير ذلك ، ولم يعد الأمر قاصراً على فئات مخصوصة من المسلمين تتبنّى فكراً أو عملاً معيّناً ، بل صارت الهوية الإسلامية هي المقصودة بذاتها ، وهذا أوجد تحفزاً نفسياً عالياً للمقاومة ، بل أوجد روحاً من الاعتزاز بالإسلام والتشبث به ، والإصرار عليه ، والفداء له ، والدعوة إليه ، لم تكن بمثل هذا الوضوح وتلك القوة من قبل .
3- البحث عن أسباب الهزيمة وعلل الفشل وأسباب الداء في الأمة ، والعمل على التشخيص الحقيقي المستند إلى السنن الربّانية مع المكاشفة والمصارحة ، لقد صرنا اليوم نسمع كثيراً قوله تعالى : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } [ آل عمران : 165 ] ، وأصبح كثير من المسلمين يردّون الأسباب إلى مثل قوله تعالى : { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } [ الأنفال : 46 ] ، وقوله تعالى : { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ } [ آل عمران : 152 ] .
4- إدراك عوامل النهوض ، ومعرفة طريق النصر ، ومصدر العزّة ، ومكمن القوة ، نعم لقد ترسّخ في أعماق النفوس أن الأسباب المادّية وحدها لا تغني شيئاً ، وأن الأسباب المعنوية من قوة اليقين والإيمان ، ومتانة الأخوة والوحدة ، تسبق كل ذلك ، وصار المسلمون يردّدون : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [ المنافقون : 8 ] ، ويحذرون فيتلون : { الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً } [ النساء : 139 ] ، وأصبح اليقين تامّاً بقوله : { وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } [ آل عمران : 126 ] .
5- معرفة صور الضعف المادي والفساد العام التي جعلت الأمة مرتهنة لأعدائها ، إذ تستورد قوتها منهم ، وتعتمد في سلاحها عليهم ، وتعلّم أبناءها عندهم ، وتقدّم ثرواتها لهم ، وتستثمر أموالها لديهم ، وتعمّق إثر ذلك الشعور بضرورة الانعتاق من التبعية والسعي إلى الاستقلالية ، وتوجّهت الأنظار إلى التعاون والتكامل بين المسلمين في محاولة للاستغناء والاستعلاء على الأعداء .
6- إدراك أن الهدف الأكبر لهذا الغزو الإجرامي هو خدمة أمن وتوسع دولة الغضب الصهيونية ، ووضوح ذلك يبين أن المعركة الكبرى هي مع اليهود الصهاينة ومن يدعهم ،وأن ميدانها أرض المسرى ورحاب المسجد الأقصى ، وأن قضية فلسطين هي قلب الرحى والقضية الأولى للمسلمين .
وهذه مجرد أمثلة ، وهي عبارة عن ومضات مضيئة ، ورغم الواقع الأليم والمشكلات الكبرى إلا أن هذه الآثار والمعاني تبعث الأمل الكبير في الإصلاح والتغيير ، وهنا لا بد من تذكرة للقادة والدعاة والمصلحين بأن يستثمروا هذه الإيجابيات وفق هذه الأساسيات :
أ- التركيز على الأسس والمناهج لا على الفروع والأمثلة ؛ لتكون هناك أرضية صلبة للوقوف عليها والانطلاق منها .
ب – الحرص على الإصرار والاستمرار دون أن يكون الأثر مجرد ردة فعل عابرة ، أو سحابة صيف تنقشع ، بل لا بد من تحويل الطاقات والإيجابيات لتكون حركة دائبة دائمة .
ج – العمل على التنسيق وتكامل الجهود وتبادل الخبرات اختصاراً للأوقات وتوفيراً للجهود ، وتحقيقاً للوصول إلى نتائج ملموسة .
د – التعميق النظري والعملي لتوحيد وتقوية الجبهة الداخلية في المجتمعات الإسلامية ، وجمع الصفوف ونبذ الخلافات ، وحشد الطاقات في مواجهة العدو الحقيقي ، وتأكيد أن كل اختلاف وافتراق يعد أعظم هدية ومغنم للأعداء .
ولعلنا يحدونا أن يكون لهذه الصحوة ما بعدها لأن القادم أعظم والليالي حبالى يلدن كل عظيم .
منقووووووول للشيخ د. علي بن عمر بادحدح
مواقع النشر (المفضلة)