حب آخر

**ربي وفقني** · 24-01-2007, 03:13 PM

الحب محور رئيس لأمور كثيرة في حياتنا، منذ البداية.. بداية الحياة الى النهاية.. نهاية الأجل، وما يلي ذلك من بقاء الذكرى والآثار التي تبقى للإنسان مما يخلفه أو مما يجمع عنه من قِبَل محبيه ومريديه.

يولد الانسان فيتعلق قلبه بادئ الأمر بأمه ثم أبيه ثم أخوته، وبعد مرور سنوات ينضج فيميل الى بعض أخوته دون الآخرين، ثم يخرج من البيت فيميل الى أصدقائه ويجتهد في التعامل معهم واكتشافهم وابراز مواهبه وامكانياته لهم، ثم يحدد من هو الصديق الصدوق ومن هو دون ذلك.

وفي سن المراهقة يكتشف حبا آخر هو حب الجنس اللطيف فيميل الى هذه وتلك (كبيرة/صغيرة) دون أن يتجرأ على البوح أو التصريح بذلك الحب لكنه يبقى من أجمل الذكريات التي غالبا ما يضحك عليها بعد حين.

في سن الشباب الأول تتضح معالم الحب وتتبلور متطلبات ذلك الرابط ومواصفاته ومراحله، حتى يبدأ رحلة البحث عن الحبيبة الزوجة التي يرتبط بها بالرباط المقدس ألا وهو الزواج، وبهذا الرباط تتحقق أمور عدة أهمها إكمال الدين وتحقيق شيء من متطلبات العبودية لله “عز وجل” ثم الإعلام والإعلان عن هذا الارتباط، يليها ضمان وثوق الرباط، وأخيرا وليس آخرا إنجاب ذرية تخلد الذّكر وتزيد من الترابط الوثيق.

بعد انجاب الأطفال نكتشف حبا آخر، هو حب الأبناء (ذكور أو إناث) ذلك الحب شيء آخر، بكل ما تحويه هذه الكلمة من معنى، إنه غير كل الحب الذي مضى فهو حب العطاء والتنازل والرحمة المجردة والاخلاص الأبدي.

انني دائما أقول لأصدقائي بأنني اكتشفت حبا آخر (أنقى وأبقى) إنه حب الأبناء، فهو حب يبعث في النفس الرضى وفي القلب الطمأنينة وفي الروح الصفاء، لا أدري كيف أصف حب الأبناء، أنه حب آخر، ليس له شبيه وليس له بديل، انه كبير كبير كبير.

إن هذا الحب الآخر الذي أتحدث عنه هو العطاء الصادق المطلق المتحرر من كل الفوائد والمقاصد الشخصية، لا أدري كيف أعبر عن ذلك الحب لذا سأستعير شيئاً من أقوال جبران خليل جبران الذي وصف بدقة ما أود قوله فقال:(ألا ليتني كنت شجرة لا تزهر، ولا تثمر، فألم الخصب أمرُّ من ألم العقم، وأوجاع ميسور لا يؤخذ منه أشدّ هولا من قنوط فقير لا يُرزق.

ليتني كنت بئرا جافة والناس ترمي بي الحجارة، فذلك أهون من أن أكون ينبوع ماء حي والظامئون يجتازونني ولا يستقون.

ليتني كنت قصبة مرضوضة تدوسها الأقدام، فذلك خير من أن أكون قيثارة فضية الأوتار في منزل ربه مبتور الأصابع وأهله طرشان!).