©§¤°^°¤§©¤ الفأر و الجبل ¤©§¤°^°¤§©
في زمن سحيق، شاهد الناس جبلاً ضخماً و هو في حالة مخاض عسيرة، يهتز و يربو، يتفصد صخره غباراً و تزعق حجارته الماً، جبل ضخم مهول في حالة ولادة عسيرة، فتساءلوا : اي مولود هذا الذي سيقذفه جوف الجبل؟ انتظروا و هم يحدقون فيه و هو يعاني كربات المخاض، و إذا بشئ صغير يفلت من جوفه من جوفه، صرخوا بإستخفاف: ما هذا؟ فأر؟ و تناقل الناس الخبر و تندروا به، و لأن الوالد و المولود اصبحا فضيحة مدوية، و سخرية كونية، كف الجبل من يومها عن ولادة الفأر، إغتاظ من السخرية و قرر الا يلد ، بل قرر السخرية بعقاب اسواء و ولادة ابشع، يهابها الناس و يخشونها و يخافون منها ، و يهربون حين تبدو أمارات المخاض.
إختار الجبل ان يقذف من جوفه بدلاً من الفأر.. البراكين و الحمم، الجحيم و النار التي تتلظى، و منذ ذلك الحين ما زال الناس يحنونون إلى أن يعود الجبل فيلد فأراً، و لذلك فهم يرددون في كل مناسبة يكون فيها حجم الادعاء عن الاعمال اكبر من حجم المنجز، أي حين تبالغ المزاعم في وصف جهودها و تكون النتائج ضئيلة زهيدة و يرددون (( تمخض الجبل فولد فأراً )) ، من باب رد الإعتبار، و إعادة الحق إلى نصابه او من باب التحسر على من بخسوه حقه في التقدير او من باب الندم على الغفلة في الإقلال و الحط من شأن الفأر ، فقد عرفوا بعدئذِ، ان هذا المخلوق الصغير الضئيل يكون احياناً أشد خطراً وفتكاً من الغضب الناري للجبل، أولم يكن الفأر سبباً في إنهيار سد مأرب؟ لأنه نخر في أساساته فاندفع طوفان مياهه يغرق الحرث و النسل و أباد حضارة بكاملها ، مازال التاريخ يكفكف دموعه على اطلالها، أولم يكن الفأر سبباً في إفشاء مرض الطاعون و الفتك بآلآف البشر في مدينة " وهران " في الجزائر؟ كما سجل ذلك المشهد المأساوي كاتب فرنسا العظيم " البير كامي " في روايته ذائعة الصيت (( الطاعون ))، و كما سجله الروائي الجزائري " رشيد ابو جدره "في روايته (( الحلزون العنيد ))، فأشار أن الفأر ليس نوعاً واحداً و إنما بمئات الأنواع و بأسماء عديدة من ذات الفصيلة : " الفأر و اليربوع ".
و رغم أن الفأر ينقل الوباء الأسود (( الطاعون )) و أمراض اخرى عن طريق البراغيث التي تعيش على جلده ، و أنه شرس و عدواني و أنه كما يقول الجاحظ في كتابه " الحيوان ": ماكر ذكي ماهر في صنع متاهاته، و يعرف دروبه في الأرض التي يتحرك عليها حتى لو هجرها شهرين و أعيد إليها ، إلا أنه مع ذلك مصدر إنقاذ للبشرية ، فهو يستشعر بدقة قدوم الزلازل قبل وقوعها ، و كان قدامى الأغريق يستدلون به ، فحين يختفي من مدينة يسارعون إلى هجرها، و غالباً ما يجتاحها الزلزال بعد ذلك، و كان الفأر ايضاً طعاماً سائغاً في فرنسا القرن التاسع عشر و أنقذ مصر من المجاعة التي حلت بها في القرن الثامن الهجري.
و كما سجلت حوادث تاريخيه في أزمنة غابرة ، كوارث كان سببها الفأر ، سجلت ايضاً السينما حديثاً حلقات من أفلام الكرتون الشهيره " micky mouse " و حلقات فيلم الكرتون الآخر "tom & jerry " فبرهن كل من " ميكي " و " جيري " بأنهما ليسا أقل خبثاً من فأر مأرب او الجزائر.
و منذ عاين الناس الفعل الغادر الباطش الغاشم للفأر ، و عرفوه و خبروه ، و ركبوا على الصفيح الساخن لهذا المثل ليعذبوا انفسهم و يقتصروا منها ، لأنها استهانت و بخست قدره.. من يومها و الناس لا تتوانى عن جلد نفسها بـ " تمخض الجبل فولد فأراً " كنوع من التكفير عن خطيئة اقترفها الأجداد و تورط فيها الأحفاد..
لكن لا الجبل يصفح...
و لا الفأر يرعوي..
و ما علينا الا..
الصبر..
و..
الإحتمال!!
تحياتي
تك تك
مواقع النشر (المفضلة)