* من الحكمة ألا نغفل عن تجارب الآخرين وخبراتهم العريضة في هذه الحياة، فمن امتدت به الحياة، وعاش التقلبات بمختلف ألوانها خرج بلا شك بحصيلة من العلوم والمعارف، والحكمة والحنكة في مواجهة المواقف وأسوأ الظروف، ولا أعتقد أن هناك حضارة حفلت بمجموعة من الحكم والأمثال مثلما حفل به موروثنا العربي.

وحسبنا من ضرورة العناية بها ودراستها وتدريسها للناشئة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحكمة تزيد الشريف شرفاً، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً)، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: من عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار.

* التوتر والانفعال سمة هذا العصر للأسف. هذه السمة تجسدت في أخلاق الكبار قبل الصغار، فلم يعد الفرد كما كان يحتمل الكثير من الصدمات ويتكيف معها ويعالجها بعقلانية ومنطقية، ويؤمن بالفروق الفردية بين البشر، وتفاوت البيئات والأمكنة؛ لذا فلا غرابة أن تكثر المشاجرات والمنافرات والخصومات، وأن يمتد بعضها إلى ما وراء ذلك. لذا وجدت أفضل ما يمكن التقاطه من الحكم المأثورة ما جاء في (الحلم والحث عليه والالتزام بسمت الحلماء). لأن في تاريخ العرب شخصيات اعتبرت حياتها وأقوالها مدارس ثرية في فن التعامل مع الآخرين. وربما خطأ يسير، وتصرف من غير حكمة قوّض حياة فرد، أو أجهز على مشروع أمة من الأمم.

* قديماً قيل: أشجع الناس من رد جهله بحلمه. بالحلم يكثر الأنصار. احلم تسد. من لا يغضب ليس بحليم، لأن الحليم يعرف عند الغضب. وقيل: إذا انتقمت فقد انتصفت، وإذا عفوت فقد تفضلت، وتجاوز عن ذنوب الناس لتحتج عليهم، واجتنب الذنوب لتقل حجتهم عليك، ولذة العفو أطيب من لذة التشفي، فالأولى يعقبها حمد العاقبة، والثانية يلحقها الندم، وقد قيل كذلك: سيئ الخلق من لا يملك نفسه عند الغضب.

الغضب على من لا يملك لؤم، وعلى من لا يملك عجز، ومن أطاع غضبه أضاع أدبه.

* أعجبني ذلك الأستاذ الذي زرته بين تلامذته فوجدته في كل يوم يعرض حكمة من الحكم عليهم، اتخذ وقتاً من زمن تدريسه، ليعرض (حكمة اليوم) فهنيئاً للنشء الذي اختصر لهم هذا المعلم، والمربي والمؤدب تجارب غيرهم في هذه السن، وراح معهم يقلب عبر هذه الحكم اتجاهات الإنسان، ويستعرض أنماط سلوكه على شكل مواقف يضعها على محك العقل وميزان الشعور الإنساني. قالت إذن: لماذا لا يكون للرئيس مع مرءوسيه، والقائد مع أتباعه حكمة يقلبها كل يوم تشرق فيه الشمس، فالحكمة ضالة المؤمن، فليأخذها أنى وجدها.