الطوى تشكل رمزاً من رموز الحياة فهي شريان الحياة في تلك البيئة الصحراوية القاحلة، اذ ارتبطت الآبار في الماضي، والى عهد قريب ارتباطاً وثيقاً بحياة أفراد المجتمع الإماراتي، بمختلف شرائحه وبيئاته، البدوية منها والحضرية، وكانت الطوى مصدراً مهماً لتوفير مياه الشرب، وعنصراً فعالاً في إكساب الأرض اللون الأخضر وبث روح الحياة في كائناتها، ولم تكن كذلك فحسب، بل كانت محطة استراحة في طريق القوافل، ونواة لتشكيل التجمعات السكنية، وملهمة للشعراء، ومحركة لضرب الأمثال، ومخلدة في الوقت ذاته لاسم شخص حفرها أو أمر بحفرها فحملت اسمه، ومؤرخة لحادثة ما او مظهر قريب منها شاركها المكان والزمان.

ويحفر الطوى عدد من الاشخاص يتراوح بين الاثنين والخمسة، وهي لا تحفر عادة في المكان الرملي المعرض للانهيار، بل يتم اختيار المنطقة المتماسكة او الصلبة، وقبل هذا وذاك يتم تحديد موقع حفر الطوى عبر شخص بصير (كثير الدراية) يقوم بتفحص تشكيلات وجه الأرض من حيث تواجد الأعشاب والأشجار، خاصة شجر الغاف والسمر والسدر، فخضرتها الدائمة دليل على وفرة المياه أسفلها أو بالقرب منها، وتعتمد مدة حفر الطوى على عدد الاشخاص المشتركين في الحفر، وعمق الماء تحت سطح الأرض، فإذا كان الماء قريباً من سطح الأرض، نجد ان الحفر يستغرق عدة أيام، اما اذا كان مستوى الماء عميقاً، فقد يستمر الحفر أشهراً.

وتنوعت أنماط الطوى ما بين طوى غير مبطنة كان على المسافرين عادة ان يقوموا بجرف الرمل عنها قبل استخراج المياه للشرب، وهي معروفة لدى البدو ودليل القوافل بشواهد اختزلتها ذاكرتهم، أما الطوى المبطنة بالطوب فهي دائمة الاستخدام، وكان يتم جلب قطعان الماشية والابل الى البئر للسقاية، حيث تقبل عليها من كل الجهات، وتقوم النساء بملء القرب المتخذة من جلد الماعز، وتحمل على ظهور الحمير لاستخدامها في المنازل، وشكل ذلك عملاً شاقاً يتعين القيام به على عجل، لإفساح الطريق امام مستخدمي الطوى الآخرين. وكان الناس يتبادلون الأحاديث والأخبار وهم في موقف الانتظار، بينما الآخرون يسحبون الرشا (الحبل) المتصل بالدلو من الطوى على وقع أغنية ترددها الأفواه.

كان ذلك في سطور التاريخ، أما في أيامنا هذه فأصبح حال الطوى لا يخفى على القاصي والداني فقد تغير الحال بها، بعد ان كانت ذات اهمية تصل الى حد ارتباط الناس بها للبقاء على قيد الحياة، وصل بها الحال الى ان تكون مهملة وتشوه المنظر العام في بعض الأحيان، وانسحب ذلك الأمر على طوى الذيد.

فطوى مرقبات التي تقع في وادي الزبيدة شمال الذيد، أصبحت مكباً للنفايات والمهملات بعد ان كانت نبعاً فياضاً رقراقاً للمياه، كانت في الشتاء القارس البرودة يتصاعد منها البخار لحرارة المياه في جوفها، فيهب الرجال والأطفال إليها لغسل أجسادهم المتعبة، وفي الصيف حين تجدب السماء فلا ملجأ لإطفاء العطش والارتواء بالدلو حتى الامتلاء إلا من طوى مرقبات.

والأمر ذاته تواجهه طوى بوقراعة على وادي الذيد، وهذه الطوى التي حفرت منذ مئات السنين وأخذت اسمها بأن نبتت بجوارها نبتة قرع (يقطين) وبالتالي عرفت بطوى بوقراعة، هذا هو المشهد في صفحات التاريخ، أما اليوم فقد تكالبت عليها عوامل الاحلال من كل حدب وصوب، فبعد الهجران والأيام الموحشة، جاء بها المخطط الجديد لتقف في وسط الطريق الذي سيصل بين ضواحي الذيد وكافة النواحي، وها هي الآلات الثقيلة تزمجر بجوارها لتلحقها بجوار ربها، في مأتم ودفن سريع اختصر كل هذه المئات من السنين من عمر هذه الطوى، ليطوي بها حقبة من تاريخ آبار وطوى مدينة الذيد، خلدها أناس تعبوا من أجل حفرها لتستمر ترويهم صيفاً وشتاء، وهي شامخة على ممر طريق القوافل والقبائل المرتحلة من كافة بقاع الإمارات، تتوقف بجوارها لترتوي بعد ان أنهكها المسير، والآن طوى بوقراعة في موقف لا تحسد عليه ولا تجد أحداً يقف لينقذها.

وطوى أخرى أمست طي النسيان ورحل عنها الزمان لم يبق لها مكان إلا في ذاكرة كبار السن من أهل الذيد، كانت مورداً للعام والهوام على مر الأعوام، منها طوى طش البرد وطوى الزبيدة، وطوى حارب، وطوى عبدالعزيز وطوى موزة.