1- استغباء الآخر

هناك كثيرون يستغبون الآخر، ويعتقدون أنهم الأذكى والأدهى منه ويستخِّفون بعقله وكأن عقولهم نيّرة متوقّدة الذكاء، والآخر لا يملك من الذكاء ولا الدهاء شيئاً، فهو يعرف أن يُصنِّف الناس.. فهذا ذكي والآخر غبي وذاك فاشل وغيره متطفِّل، وكثيرون لا يعرفون أن يستغلوا الفرص التي تأتي إليهم، أما هو فالأمهر، لكنه لم تأته الفرص المواتية لعبقريته الفذَّة وينسون أن كثيراً من الناس قد يستغبون لأنهم لا يحبون أن يجرحوا الآخرين حرصاً على مشاعرهم، أو لأنهم لا يحبون المكر والخداع، والأغلب من عامة الناس أنهم يأخذون الناس على عقولهم ويؤمنون أن هناك سلوكاً إسلامياً يجب أن يسلكه وليس شرائع يُطبِّقها، ويفهم أن الدين مشتق من عقيدة وشريعة كما أنه ملزم بتطبيق الشريعة.. لا ينسى أن العقيدة هي المحرك الأساس للشرائع وهي الإيمان بعينه.. وكثيرون منا يخشون الله فهو المراقب الدائم في السر والعلن ويعلمون أن الدنيا سنينها زائلة وقصيرة ورحلة سفر وممر، ويخافون أن يلاقوا ربهم وهم يملكون من المكر والخداع والذكاء المفرط بوضع حفر لأخيهم لكي يقع فيها.. أصبحت الدنيا هي شاغلهم الشاغل ويعملون بها كأنهم مخلدون، وكأن الله سبحانه وتعالى أعطاهم صكوك الغفران.. أما الاعتقاد بأنهم يملكون الذكاء المفرط ويستغبون الآخر فهو الخبث بعينه.

وهناك قول مأثور:

أصبر نفسي باجتهادي وطاقتي

وأنا بأخلاق الجميع خبير

وأتعامى عن أشياء لو أردت قلتها

ولربما تعامى المرء وهو بصير


-2-ما شاء الله عليَّ!

مشكلة أصبحت تُواجّه المجتمع السعودي، فكل ما واجهت شخصاً يبدأ بالإشادة بنفسه، ولا أدري هل هو خوف من الحسد أو للتباهي يقول: (أنا ما شاء الله عليَّ)، والحقيقة - والله على ما أقول شهيد - حقاً ما شاء الله عليه فهو معجب بنفسه حتى الثمالة، إنه شخص متقوقع داخل نفسه لا يرى إلا ذاته، وكأننا نسمع قصة من طفولتنا (يا مرايتي يا مرايتي مين أجمل مني)..!! ويغلق عينيه على الآخرين وهذا الشخص غير قادر على التطوير مهما جلب من الآلات لأنه يعتقد أنه وصل إلى القمة، فهو مكتفٍ بذاته وراضٍ بصفاته، ونسي أن أجداده المسلمين الأوائل أهل العلم والبصيرة كانوا يبحثون عن العلم، ويشدون الرحال من أجل معلومة بسيطة قد تكون عندهم، لكنها غير موثَّقة، وعندما أصبحنا نؤمن بنظرية ما شاء الله عليَّ توقفنا وتجمّدنا.. أين الإيمان بالله؟ أين الاقتداء بسيد الخلق محمد (صلى الله عليه وسلم)؟ ولماذا لم يصبه الغرور ويقول أنا ما شاء الله عليَّ! وهو تصلي عليه الملائكة.. قال الله تعالى في قرآنه الكريم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

لا نستطيع إلا أن نرحمهم فهم يخشون الحسد من أفكارهم النيّرة.. وينسون أن الإنسان إن أصاب فمن الله وإن أخطأ فمن نفسه.. أين هم من العلماء؟. العالِم إسحاق نيوتن الذي اكتشف قانون الجاذبية من أبسط الأشياء من سقوط تفاحة على الأرض ولم يقل ما شاء الله عليَّ، ولم تحسده الناس!!! والأمثلة كثيرة أترك للقارئ البحث عنها.. وأنا أقول: (اللي يستر عيبه عن الناس بهدوم، وش يستره لا صار عيبه كلامه).