اليأس بُحيرَة عميقة قد يغرقُ فيها الشخص الذي لا يجيد السباحة الماهرة في مياهها العميقة وبعض الناس الذين لا يحسنون التعامل الجاد مع مجريات الحياة وأحداثها المتنوعة من السعادة والشقاوة السراء والضراء الخير والشر قد يتملكهم اليأس بكل احباطاته الذهنية والفكرية، خصوصا عندما يتعرض الإنسان لحادثة تعكر صفو فكره وتقف حائلا بين طموحاته وآماله المنشودة ولكن نقول ليس كل ما يتمناه المرء يتحقق له ورضا الناس غاية لا تدرك، وكما قال الشاعر: “ما كل ما يتمنى المرء يدركه”.
إن اليأس يعني قطع الأمل عن تحقيق المراد عاجلا أو آجلا فيُخيل للشخص اليائس أن أمنيته وحلمه ذهبا ووليا عنه دون رجعة وهذا خطأ فادح يصيب بعض العقول البشرية، فالقوي قد يضعف والماهر قد يخطئ والعالم المتبحر قد يتعثر، ولكن ليس الخطأ نهاية المطاف بحيث يقع الإنسان صريعا ومستسلما لليأس فكل ذلك الإخفاق يعتبر خطوة نحو الأمام، وبقدر ما تبطئ من سيرك أيها الإنسان بقدر ما تكسب خبرة وحكمة تتيحان له الاسراع بعد ذلك. انها لحظة تتوقف فيها لتلتقط أنفاسك وتراجع خطتك وتصححها بما يكفل لك النجاح والتوفيق في الحياة.
إن المؤمن بالله حقا ليس من خلقه اليأس والقنوط كما جاء في الذكر الحكيم (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن روْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف/87) فالمتأمل في حياة الأنبياء والصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم يجد الصورة جلية واضحة في مقاومة اليأس وعدم الركون إليه، فهم لم يستسلموا لليأس بل بنوا منه عزيمة جادة شقت طريق الخير والصلاح للبشرية، وإذا تفكر الإنسان في الانجازات العلمية الباهرة في ظل الحضارة الحديثة يجد الأمر جليا أيضا؛ فليسأل هذا الذي أصيب بداء اليأس والقنوط نفسه: هل تمت هذه الاكتشافات العلمية وغيرها من الانجازات بمجرد عمل تجربة واحدة فقط أم أن القائمين على البحوث العلمية وما ماثلها قد أعملوا عقولهم واجتهدوا مرات عديدة حتى حققوا المراد من بحوثهم؟ فقد تصل التجارب العلمية إلى ألف تجربة أو أكثر إلى أن يكلل عمل الباحث بالنجاح بعد أن يخفق مرة تليها مرات وهكذا شأن الحياة: اخفاق ونجاح، ولا قيمة للمعرفة دون إعمال العقل في التفكير والتأمل مع الصبر وتحمل الصعاب ولو كانت مرة وقد أجاد القائل:
لا تحسبن المجد تمرًا أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر
مواقع النشر (المفضلة)