.
.
استهـــلال :
فليتكَ تحلُو وَالحيَـاة مَريـرةٌ ***وَليْتَكَ تَرضى وَالأنَامُ غِضَابُ
وَليْتَ الذي بَيْني وَبينَكَ عَامرٌ ***وَبَيْني وَبَين العَالميـنَ خَـرَابُ
إِذَا صَحَّ مِنْكَ الوُدُّ فَالكلُّ هَيّنٌ ***وَكُلّ الذي فَوقَ التّرابِ تُرابُ
.
.
حينَ رأيته أوّلَ مَرة لمْ أكنْ أتوقعُ هَذا الشعُورَ الدَاخليّ الغَريب : شُعًورٌ دافيء ، وَإحسَاسٌ نادر ، وَخيــَال جامِـح ..
كانَ أولُ اللقاءَات في سَاحة المدرَسَة الداخليّة ، وَبالتحــديد عندَمَا كُنّا نجلسُ للفطورِ مُقابلَ مَجموعتهم ..
بدَايةُ العَـلاقة نظراتٌ خاطفـةٌ ..وَمَتبادلة ..
أعقَبَـها مُحَاولاتٌ للسّلام .. ثمّ تلتهَا عَلاقة بَسيطة ، فيهَا سُؤال عن الحـَـال ، والمرحَلة الدراسيّة ، وَأخبارِ الفصل ، و...و...
بعدَ أسبُوعين مِنْ بدَاية الفَصْل الدراسيّ الأوّل كنتُ قدْ عَرَفتُ كلَّ شيءٍ عَنه : في أيّ فَصلٍ يَدْرُس ، وَفي أيّ حَيّ يَسْكن ، وَمَعَ مَنْ يَمشي ، وَمَاذا يشجّع مِن الأنديَة ..
حتى إننّي كذبتُ عليهِ عندَمَا قلتُ له إننّي أُشجّــع النادي الذي يُشجّع ..
التحوّلُ الكبيرُ في علاقتنا هوَ حُصُـولي على ( جوّاله ).. والبَرَكـة – طبعاً – في صَديقي ( مَاجد ) ..
مِنْ حينهَا لاتكادُ تمرُّ سَاعةٌ حَتى أبعثَ لهُ برسالةِ حُبٍ ، أوْ قصيْدةِ غرامٍ ، أوْ تصميمِ غَنَجٍ وَهُيَـام ..وَتطوّرَ الموضوعُ قليلاً لأبدأ بالاتصَال به ، وَالحَديثِ مَعَه ، فكنتُ أبقى مَعَهُ على الخط الدّقائقَ الطوالَ ..
وربمــا صَــدّقتُ قولَ الشـاعر حينَ يقــول :
إذَا أنتَ لمْ تَعْشَقْ وَلمْ تَدرِ مَا الهَوَى *** فَقُمْ فاعْتَلِفْ تبْناً فَأنـتَ حمَـارُ
.
.
لقدْ تفاجأتُ بمُوَافقتهِ السّريعة على طلبي .. إذ عَرَضتُ عليه فكرة الذهابِ سويّةً لإحدى المبَاريَاتِ الرياضيّة ، فجَاءَ الردُّ أسرعَ ممّا أتصــوّر ، فكانَ هذا المشوارُ أجملَ مشوارٍ قضيتُـه في حيَاتي ، وتلك الوجبةُ هيَ ألذُّ وَجبةٍ تغذّى بها جسْمي ، وَذلك المطعمُ سيبقى ذكرى رَاسخةً لـ ( فالنتاين ) و ( روميو ) و ( جوليت )..
.
.
ذاتَ مساءٍ مُضطــرب ..
اليومَ هو اليومُ الثاني من أيّـام الفصْل الدراسيّ الثاني ..
وَالساعةُ تُشيرُ بعقَـاربها إلى الوَاحدةِ ليــلاً ..
وَالشوارعُ خلتْ إلا مِنْ حَفيفِ الأشجَار ، وَدَحرجة علب المـَاء الفـَارغة ..
انتابني شُعورٌ غريبٌ .. أُحسّ بوخــزةٍ في صَدري .. أشعرُ بضيقٍ في التنفسِ .. أرغبُ في ارتشـَـاف الكثير مِن المـَاء ..
كنتُ أتمَلمَلُ في فراشي بَاحثاً عن بَصيصٍ مِنْ أملٍ في النوم ، أوْ حتى في إغفـاءَةٍ خفيفةٍ تُنسيني مَا أنا فيهِ مِن تعَب ..
بدأتُ في اسْترجاعِ علاقاتي الغراميّة ..وَذكرياتي السّابقة .. وأيَّـامي البَـائدة .. وَأحلامي الزائفة ..
صورتـُه – الآن – تجـولُ في خاطري ، وَطيفُه مَـا زالَ يمرُّ سَريعاً كالسّحَاب ، وَبقايا أغراضِهِ التي أحتفظُ بهَا كأنّها بقايَـا عظامٍ باليـةٍ ..
مَا هذا التحــوّل الغريب في تفكيري ؟!
وَمَا ســرّ الانقـلابِ المفاجئ تجـَاه مَن مَنحتـُه أغلى مَا أملك ؟!
وَلمَـاذا انقلبتْ صورته في خيالي إلى وَحشٍ كاسرٍ ، بَعدَ أنْ كانَ مَلاكاً طاهـراً ؟!
وَمَن هذا الشخصُ الذي غيّـر نظرتي إليْه ؟!
وَكيفَ ستكونُ علاقتي مَعَه في القادمِ مِن الأيّـام ؟!
هلْ أتوَاصَــلُ مَعَـه ؟ أمْ أعلنهـَا صَريحـة وَمدويّـة :" سَأهجُـرُك للأبـَـد " ؟!
.
.
أشيْـــرُوا عَليّ أيّـُها النّـاس ..
،،،،،،،،،،،،،
ملاحظه :
ليس الأمـر تجربـةً شخصيــة ، أو سرداً قصصيـاً ..
إنه الواقــعُ الذي أعيشــه .. واقـعُ طلابنـا وطالبـاتنا !
فإنْ لم نكـنْ معهـم ، حتمـاً سيكون الآخر رفيـقاً في دربهم ..
وسيحـكي لهم قصة ( ألف ليـلة وليــلة ) حتى يكونوا كـ ( قيس وليلى ) ..
.
.
دعوني وأياكم - ننزل إلى ميـدانهم الشـائك والمليء بالمتغيّــرات ،
حتى نرى بأمّ أعيــننا الواقـع بلا رتوشٍ ، ولا مكيــاج ..
مواقع النشر (المفضلة)