السفاح والمنصور

**حبيبتي حطمتني** · 04-03-2007, 05:44 PM

يعتبر أبو العباس السفاح، وهو عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب بن هاشم، الخليفة العباسي الاول، ولو ان المؤرخين يعتبرون أخاه أبا جعفر المنصور مؤسس الدولة العباسية، ذلك ان أبا العباس هو اول من أخذت له البيعة كخليفة للمسلمين بعد ان قتل آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد، اثر انتصار قائده عبدالله بن علي عليه في موقعة الزاب سنة 750م، وقد دامت خلافته اربع سنوات (750 754م)، حين مات بداء الجدري الذي اصيب به، فخلفه اخوه أبو جعفر المنصور.

وكان الخليفة ابو العباس قد قال في خطبته التي ألقاها يوم بايعه الناس وأعلن الثورة على الأمويين: “أنا السفاح” فلصق به هذا اللقب إذ لوح بذلك الى ما اعتمده من استعمال العنف في سبيل الاغراض السياسية. ولأول مرة في تاريخ الاسلام صار النطع يبسط الى جانب كرسي الخلافة ويتخذ منه ومن سيف الجلاد أداة لتوطيد صولة الخلافة. وقد وضع السفاح حجر الاساس للدولة الثالثة من دول الاسلام فكانت أطولها عمراً. وتبوأ بنو العباس الحكم من سنة 750 إلى 1258.

سلطة دينية

وقد استبشر المسلمون بالخلافة العباسية انها تمثل فكرة الخلافة وشعائر السلطة الدينية بينما كان ملك بني أمية ملكاً دنيويا. وفي سبيل التدليل على صبغة المنصب الدينية، أخذ الخليفة العباسي يرتدي بردة النبي في الحفلات الرسمية وفي صلاة الجمعة. وأخذ الخلفاء يجمعون حولهم الفقهاء ويشملونهم برعايتهم ويستشيرونهم في مصالح الأمة. وقد وجه العباسيون الدعوة واسعة النطاق التي استخدموها لتنفير الامة من عهد الحكم الأموي، بشيء من الدهاء لكسب ثقة الامة وتثبيت حبها لهم. وانتشرت بين الناس على اثر ذلك فكرة ترمي الى ان الأمر يجب ان يبقى في بني العباس.

وعظم اعتقاد الناس في بني العباس حتى زعموا انه “متى قتل الخليفة اختل نظام العالم واحتجبت الشمس وامتنع القطر”. والفرق الجوهري بين الدولتين الأموية والعباسية ينحصر في ان الدولة الأموية انما كانت دولة عربية، بينما كانت الدولة العباسية دولة جميع الشعوب الاسلامية فظهر فيها الفرس والترك الى جانب العرب.

ومنذ إعلان المبايعة بالخلافة لابي العباس، ظهرت الانشقاقات في الأقطار الاسلامية، فالاندلس وشمالي إفريقيا وعمان والسند حتى خراسان لم تبايع الخليفة تماما. اما مصر، فقد قبلت بالخليفة اسميا، وبقيت واسط عاصمة الأمويين في العراق أحد عشر شهراً، لا تعترف به.

وبدأت بلاد الشام تضطرب لانها كانت تتعاطف مع الأمويين وتتأثر بما اصابهم من تنكيل. أما الحلف العباسي العلوي الذي مكنته روح البغض لعدو مشترك، فلم يكن بالحلف الذي يدوم طويلا بعد هلاك الأمويين. وقد خابت آمال العلويين الذين كانوا يعتقدون ان بني العباس كانوا يقاتلون في سبيل قضيتهم.

ولم يطمئن ابو العباس السفاح إلى أهل الكوفة وهم اصحاب علي رضي الله عنه، ولم يركن اليهم في الامور، فانتقل الى الأنبار واتخذ بها مقراً سماه الهاشمية “نسبة الى هاشم جد العباسيين”، وقد دفعه الى الإعراض عن البصرة ما دفعه عن الكوفة وما رآه من بعدها، فهي جنوبية لا تصلح ان تكون مقراً مركزياً للحكم. وتوفي السفاح سنة 754 في عاصمته “الهاشمية” وهو لا يزال دون الاربعين من عمره.

المؤسس الحقيقي

خلف أبو جعفر عبدالله بن محمد بن علي العباسي (754 775) الملقب بالمنصور أخاه أبا العباس السفاح، فكان من اعظم الساسة العباسيين ومن أسفكهم للدماء. فالمنصور لا السفاح هو الذي اسس الدولة العباسية حقاً وجميع الخلفاء الذين تبعوه وهم خمسة وثلاثون إنما كانوا من ذريته. وعندما خرج عليه عمه عبدالله بن علي ونازعه الخلافة، وكان عبدالله قائد الجيش في معركة الزاب التي انتصر فيها العباسيون على الأمويين، سلط عليه المنصور أبا مسلم الخراساني فحاربه وقهره “في نوفمبر/تشرين الثاني 754” في نصيبين ثم سجنه المنصور سبع سنوات وتخلص منه في نهايتها، حيث نقله الى بيت جعل اساسه من ملح ثم أجرى الماء في اساسه وهو فيه فسقط عليه فمات.

وكان أبو مسلم بعد عبدالله بن علي صاحب الأثر الأكبر في تشييد ملك بني العباس، وكان المنصور لا يقطع أمراً دونه، ومع ذلك فقد استقدمه اليه حتى اذا مثل بين يديه وثب عليه الخدم بالسيوف فقتلوه غدراً واغتيالاً. ثم إن فرقة من متطرفي الفرس تعرف بالراوندية ظهرت في هذه المدة وادعت ان أبا جعفر المنصور هو إله، فقاتلها الخليفة “758” حتى نكل بأبنائها تنكيلاً. وكذلك ضرب المنصور بيد من حديد على أيدي زعماء الشيعة الخارجين عليه وقتل من أئمتهم ابراهيم وأخاه محمداً الملقب بالنفس الزكية وهما ابنا عبدالله حفيد الحسن بن علي رضي الله عنهما أما محمد، فقد قتل “6 ديسمبر/كانون الأول 762” في المدينة وصلب. واما ابراهيم، فقد احتز رأسه “14 فبراير/شباط 763” قرب الكوفة الثائرة وأُرسل الى الخليفة. فجاهر العلويون بعداوتهم للعباسيين واعتبروهم مغتصبي الخلافة التي هي من حق الأئمة من ذرية علي وفاطمة رضي الله عنهما، وظهرت في خراسان ثورة قام بها سنباد المجوسي “755” انتقاما لأبي مسلم. ثم ثار ايضا استاذسيس “767 8” فأخمد المنصور هاتين الثورتين وأعاد الأمن الى فارس حيث اصطبغت العصبية الفارسية بالمعتقدات الزرادشتية والمزدكية، وبهذا تم للعباسيين توطيد أركان الامبراطورية في اكثر البلدان الاسلامية ما عدا شمالي إفريقيا التي لم تشملها سلطة الخليفة العباسي إلا الى حدود القيروان وما عدا الاندلس التي كان عبدالرحمن الداخل فيها أقوى من ان يقهر. وكانت أم عبدالرحمن من البربر كما كانت أم المنصور.

مقارعة الروم

وما ان استقرت احوال البلاد الداخلية حتى عاد العباسيون الى مقارعة عدوهم الغربي الدائم (الروم) واستئناف العراك معهم عند الحدود، هذا العراك الذي كان لا يزال دائراً بصورة متقطعة منذ نحو قرن. وأعاد العرب بناء الثغور كملطية في أرمينية الصغرى والمصيصة في كليكية، وتوغلوا في بلاد العدو حتى أنهم بلغوا باكو حيث توجد منابع النفط وأخذوا الضرائب من اصحابها. ثم احتلت قوات الإسلام ارض طبرستان الجبلية احتلالاً مؤقتا وهي في الجنوب من بحر قزوين “بحر الخزر”، وكانت تقيم فيها اسرة من الأسر الهامة في عصر الدولة الساسانية البائدة متمتعة بسلطة مستقلة. وبلغت جيوش الخليفة حتى قندهار وهي من المواضع النائية وفيها تمثال بوذا، والواقع ان قواد المنصور توسعوا في غاراتهم حتى كشمير “قشمير في المصادر العربية”، وهي عبارة عن واد فسيح خصب في السفح الشمالي الغربي من جبال همالايا. وارسلت سنة 770 عمارة بحرية من البصرة الى مصب “دلتا” نهر الهند لقطع دابر القراصنة الذين كانوا قد تجاسروا على بلوغ جدة ونهبها.