لقد ضج الناس من كثرة الحوادث، وباتت حديث المجالس من جانب النساء والرجال علي حد سواء والاكثر يلقي اللوم علي السائقين المتهورين. بل يجده مجرما لا يجب أن يعامل بأية رحمة أو رأفة.
التبرع ماهو الا صدقة جارية.. نعم فهو إحياء لهذا الانسان بل إن احياء النفوس من المسلمين وغير المسلمين من أجل القربات وأعظمها عند الله - تبارك وتعالي - لقوله: ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا المادة-32.

لكن إحجام الانسان الصحيح عن التبرع بالدم في وقت الحاجة اليه لإنقاذ المرضي والمصابين في المستشفيات إثم كبير فالتبرع بأي شيء لا يكون إجباريا، إلا اذا دعت اليه الضرورة، فالتبرع بالدم للمحتاجين فرض كفاية، فاذا تقاعس الناس عنه، أو لم يتم التبرع بالقدر المطلوب هلك الناس اذن الانسان مطالب بالمحافظة علي نفسه فلا يعرضها للهلاك أو الضرر من أي نوع كان، كما هو مطالب بالمحافظة علي غيره فلا يتسبب في هلاكه أو وقوع الضرر به، يقول تعالي: ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة البقرة: 195.

وعلي ذلك اذا أداها البعض سقط الإثم عن الباقين، واذا أهملها الجميع أثموا جميعا، أثم القادر لإهماله واجبا قدر علي أدائه، وأثم غيره لإهماله حث القادر وحمله علي فعل الواجب المقدور عليه، فلو ترك الناس وشأنهم للتبرع طواعية دون إلزام سيظل الحال علي ماهو عليه من نقص الدم.
وقد عرف الاسلام هذه الفائدة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان، فقد جاء في الاثر ان رسول الله - صلي الله عليه وسلم - دعا الي العلاج بالقصد والحجامة فقال صلي الله عليه وسلم: إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم (رواه البخاري).
ولعل ما أشارت به السنة النبوية المطهرة في مسألة إخراج الدم الزائد عن الجسم بطريق الفصد أو الحجامة، الذي هو سبب لشفاء الناس وعلاج لها من مرض يلم بها، ما يؤكد ما وصل اليه العلم الحديث وأهل الخبرة من العلماء والاطباء من أن تخفيض الدم لدي الانسان له أثر مفيد ونافع للجسم وبخاصة عند ارتفاع ضغط الدم الذي قد يهدد حياة الانسان اذا زاد عن حده.
فالعزوف عن التبرع بالدم.. عمل لا يرضي عنه أي أعراف انسانية أو قوانين وضعية لأنه تنتج عنه أضرار بالغة ورسولنا الكريم محمد صلي الله عليه وسلم نهانا عن الضرر والضرار بقوله لا ضرر ولا ضرار.

كما أن رفض التبرع بالدم من جانب القادرين الاصحاء هو عمل غير انساني يرفضه ديننا الحنيف لأنه يعرض حياة المرضي للخطر، بل وقد يؤدي بهم الي الموت كما أن له فوائد صحية كتنشيط نخاع العظام لتكوين خلايا دموية جديدة، وتنشيط عضلة القلب والدورة الدموية وبالتالي يقلل من الاصابة بأمراض القلب والجلطة لدي المتبرعين.

فالمسارعة الي التبرع بالدم في ظل الظروف التي يعاني منها المستشفي واجب شرعي علي كل مواطن صحيح البدن والصحة، وذلك حفاظا علي أرواح المرضي والمصابين الذين يكونون في أمس الحاجة الي نقل دم لإنقاذ حياتهم، وهو ليس اجباريا ولهذا اقتراح أن يصدر قانون يجبر الناس علي التبرع بالدم، بشرط ألا يتحقق ضرر علي المتبرع في الحال أو في المستقبل، وأن يكون هناك مساواة بين الناس في التبرع بالقدر الذي يكفل التساوي بين الافراد المأخوذ منهم، والرسول صلي الله عليه وسلم يقول: وتداووا عباد الله فان الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل معه شفاء إلا الموت والهرم رواه أحمد .

وهذا الحديث يدعو كل مسلم الي أن يتبرع بدمه من أجل انقاذ حياة كل انسان تعرض للاصابة في الطريق العام.. وقد وردت عن النبي صلي الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تحث علي التداوي واستخلاص الأدوية من النباتات والأعشاب لعلاج الامراض التي تصيب البدن.. ودعوة أيضا ولكن بشكل غير مباشر الي التبرع بالدم.. وعمل بنوك له في المستشفيات والمراكز الطبية.
وأخيرا ما دعانا اليه الاسلام لا يبيح مثل هذا العمل فحسب، بل ويدعو اليه ويعتبره فريضة دينية وعملا انسانيا.. لأنه يسهم في انقاذ آلاف الأرواح وهو تعاون علي البر والتقوي.. وعمل خير يثاب عليه المؤمن في الدنيا والآخرة.. ولا يليق أبدا بانسان ينتمي لأمة ترفع شعار الاسلام أن يوجد فيها مريض لا يجد دواء أو سريرا في مستشفي أو طبيبا ماهرا أو دماء يحتاج اليها أن يقوم بالتأثير علي من حوله ومنع أهل بيته من ذلك.. كما انه هو سبب في عودة البسمة والأمل لآلاف الأسر التي يعاني افرادها من أمراض عافانا وعافاكم وحفظنا منها.. اللهم آمين.. والله من وراء القصد.