أحد أشراف قريش في الجاهلية، وأحد الأبطال البارزين في الإسلام، إنه خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو سليمان، القرشي المخزومي، أمه لبابة الصغرى وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

عاش حياة البطولة والجهاد، كان قائداً فذاً وخطيباً فصيحاً، وقد كانت نشأة خالد نشأة عربية كريمة وقوية، تميزت بالشجاعة والفروسية، والجود والنخوة والنجدة، وأثرت البيئة العربية المفتوحة في تكوينه بلياقة بدنية، ومهارة في الفروسية، وطِعان الخصوم ومنازلتهم.

عندما أراد خالد الإسلام قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلّم عليه بالنبوة، فرد عليه السلام بوجه طَلْق، فقال: إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله، فقال النبي: “الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلاً رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير”.

عبقرية نادرة

لم يعرف التاريخ الإسلامي وغيره قائداً حربياً فذاً ذا عبقرية نادرة، وحنْكة بالغة، وجرأة وشجاعة فائقة مثل خالد بن الوليد، فلم ينهزم في أي معركة خاضها مدى حياته، ومعاركُه زهاء المائة، لتميزه بعقلية فذة، وخبرة ميدانية حربية واسعة، يضع الخطة الحربية المحكمة، ويلحظ كل مقومات الاستراتيجية المطلوبة، ويقدر موقفه وقدراته القتالية، ويحسن معرفة قوى خصومه، ويستطلع أجواء المعركة ويتبع أسلوب المباغتة، والكر والفرّ، وتوجيه الضربات الشديدة القاتلة الى قلب جيش العدو، فينشر الرعب، ويحدث الهزة العنيفة، ويتابع تنفيذ خطته بمهارة فائقة، ويتحكم في إدارة المعركة وتوجيهها لمصلحته في ساعات قليلة.

جاء في أسْد الغابة: عن أبي هريرة، قال: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً فجعل الناس يمرون، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من هذا يا أبا هريرة”؟ فأقول: فلان، فيقول: “نِعم عبد الله هذا”. حتى مر خالد بن الوليد، فقال: “من هذا”؟ قلت: خالد بن الوليد، فقال: “نعم عبد الله خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله”.

ولعل هذا القول كان بعد غزوة مؤتة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سمى خالداً سيفاً من سيوف الله فيها، فإنه خطب الناس وأعلمهم بقتل زيد وجعفر وابن رواحة، وقال: “ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله سلّه الله على المشركين، خالد سيف من سيوف الله ونعم فتى العشيرة” ففتح الله عليه، وقال خالد: “لقد اندق يومئذ في يدي سبعة أسياف فما ثبت في يدي إلا صفيحة يمانية”. وقال عنه أبو بكر الصديق: “عجزت النساء أن يلدن مثل خالد”.

في المقدمة

ولم يزل خالد من حين أسلم يوليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أعنّة الخيل فيكون في مقدمتها في محاربة المشركين، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العُزى وكان بيتاً عظيماً لمضر تبجله فهدمها، وقال في ذلك الرجز:

يا عزّ كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك

ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالدا إلى بني جذيمة، فقتل منهم من لم يجز له قتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد”.

ثم أرسل مالاً مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ديةً للقتلى، وأعطاهم ثمن ما أخذ منهم، حتى ثمن ميغلة الكلب، وفضل معه فضلة من المال فقسمها فيهم، فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك استحسنه. وكان على مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في بني سليم، فجُرح خالد، فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفث في جرحه فبرئ.

وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صاحب دومة الجندل قرب الشام، فأسره وأحضره عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالحه على الجزية، ورده إلى بلده.

ثم أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر إلى بني الحارث قرب اليمن، فقدم معه رجال منهم فأسلموا، ورجعوا إلى قومهم بنجران.

ثم إن أبا بكر أمره بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال المرتدين، منهم: مسيلمة الكذاب الحنفي في اليمامة، وله في قتالهم الأثر العظيم.

وله الأثر المشهور في قتال الفرس والروم، وافتتح دمشق، وكان في قلنسوته التي يقاتل بها شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنصره به وببركته، فلا يزال منصوراً.

وكان يقول: “ما من ليلة يُهدى إلي فيها عروس أنا لها محب، أحب إلي من ليلة شديدة البرد، في سرية أُصبح فيها العدو”.

وفاة على الفراش

ولما حضرت خالد بن الوليد الوفاة قال: “لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية، وها أنا أموت على فراشي كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء، وما من عمل أرجى من “لا إله إلا الله” وأنا متترس بها”.

الرجل الذي شهد مائة زحف يأنف من موته على الفراش، فماذا يقول المتنعمون على فُرُشهم طوال الحياة؟ ما يقول الذي يموت في عطر لذاته؟ إن ساحل الخلد يريد من كل عظيم أن يبلغ إليه مجاهدا لا مستريحا، عاملا لا وادعا، يلهث تعبا لا لعبا، كذلك كان سيف الله.

توفي خالد بحمص من الشام، في خلافة عمر بن الخطاب، فاجتمعت نسوة بني المغيرة في دار خالد يَبكينه، فقال عمر: “ما عليهن أن يرقن من دموعهن”، تقديرا لمكانة خالد، وعند الوفاة وتوديع الحياة والأحياء حبس فرسه وسلاحه في سبيل الله.