النساء المكافحات كثيرات.. كلهن تركن بصحة جليلة من خلال ما بذلنه من جهد وكفاح حتي تحقق لهن ما حلمن به.
وسنعرض لكم أعزائي القراء قصة كفاح امرأة من هذا الوطن تدعي أم خالد أم خالد توفي عنها زوجها وهي لاتزال في العشرينات من عمرها وترك لها أربعة أطفال في عنقها.. يا لهول المسؤولية.. إنها أمانة كبيرة.. كيف سنواجه الحياة أنا و أطفالي الأربعة بعد أن غاب السند.. هكذا كانت تردد في أعماق نفسها.. وتفكر الليل والنهار في مصير أطفالها والمستقبل الذي ينتظرهم.
بعد أن توفي زوجي رحمه الله لم أشفق فقط إلا علي أطفالي.. وقررت أن أكون لهم الأم والأب معاً.. وأن أتحمل المسؤولية كاملة نحوهم.. وأتولي الاهتمام بهم ورعايتهم.. وأكون لهم الحماية والسند.. بحيث أجعلهم لا يشعرون بغياب الأب ويؤثر ذلك بالتالي علي نفسيتهم.. لكن كان الأمر الذي يشغلني كيف سأعمل وأنا لم أكمل الدراسة الابتدائية.. كان لابد لي أن أعمل كي أصرف علي أطفالي.. وكانت كل الظروف تضطرني للعمل.. فنحن أسرة علي قدر الحال لا نملك إلا المورد القليل الذي بالكاد يسد احتياجاتنا.. وأخذت في البحث عن عمل.. لا تهم نوعية الوظيفة طالما أنها مستورة.. وبالفعل حصلت علي وظيفة عاملة في إحدي الوزارات هذا العمل هو الذي يتناسب مع وضعي الدراسي وأنا كما ذكرت لم أكمل الدراسة الابتدائية.. لذلك حمدت الله بحصولي علي هذه الوظيفة البسيطة.. وكان كل ما يهمني هو الحصول علي راتب أعين به أطفالي وأغنيهم عن طلب الحاجة عن الآخرين.
ومن هنا بدأت رحلة الكفاح.. عاهدت نفسي أن أعمل وأعيش فقط من أجل أطفالي.. ورفضت كل الخطاب الذين تقدموا لي رغم الحاح الأهل والأقارب والصديقات بالزواج ممن أجده مناسباً لي.. لكنني رفضت بشدة وقلت لهم: حياتي لأطفالي فقط.. حتي أنهم يئسوا بعد ذلك ولم يتكلموا معي في مسألة الزواج عندما علموا باصراري وموقفي الرافض بشدة تجاه الزواج واقتناعهم التام بأن أطفالي هم كل حياتي وأفضلهم علي نفسي وعلي سعادتي وكنت سعيدة بهذا القرار الذي اتخذته لنفسي.. وكنت فرحة وأنا أشق طريق الكفاح لأجل أبنائي.. وكان كلما كبر الأبناء ازدادت مطالبهم.. وكنت ألبي لهم طلباتهم حتي لا يشعروا بشيء ينقصهم.. وكنت أشجعهم علي المذاكرة وأهيئ لهم الجو الهاديء المريح وأقدم لهم العصير والشاي، وكان أملي أن أراهم مستقبلاً في وظائف مرموقة.. وكنت أحثهم علي الدراسة وأرغبهم وأحببهم فيها.. وأقول لهم إن العلم سلاحكم والشهادة أملكم وأملي.. أنظروا إلي وضعي ووظيفتي.. لو كنت أتممت دراستي الجامعية وحصلت علي الشهادة لكنت الآن في وضع مرموق.. لكن تعليمي البسيط وضعني في هذا المكان وهذا العمل.. وهذا هو مكاني طالما أن تعليمي متواضع جداً.. لذلك كنت أنصحهم باستمرار بأهمية العلم والشهادة لمواجهة الحياة.. وكنت أنظم أوقاتهم للمذاكرة بين الراحة وممارسة هواياتهم وبين المذاكرة.. وكنت أستجلب لهم المدرسين الخصوصيين للمواد التييجدونها صعبة.. وكنت إلي جانب ذلك أغرس فيهم القيم والأخلاق وأداء الصلوات في أوقاتها.. وأوضح لهم أن العلم والأخلاق متلازمان.. فلا خير في علم بدون أخلاق.
وكان الأبناء ولله الحمد مطيعين مدركين لنصائحي لهم جيداً.. وكنت أدعو الله دائماً بالخير والتوفيق.. وكانوا ينجحون كل سنة بتفوق.. وكنت أكافئهم علي تفوقهم.. وخلال فترة الامتحانات كنت أسهر الليل من أجلهم لا أنام حتي يخلدوا جميعاً للنوم.. وكنت أخذ إجازة بدون راتب أثناء فترة الامتحانات كي أكون بجانبهم.. حتي وصلوا إلي مرحلة الجامعة.. وتخرج الواحد تلو الآخر بنسب كبيرة جداً.. وكانت فرحتي لا توصف وأنا أري أبنائي كباراً ومتفوقين.. وحصل الجميع علي وظائف ممتازة تناسب درجاتهم العلمية.. فاثنان من أبنائي يعملان في إحدي الوزارات المعروفة بوظيفة ورتبة عالية.. أما البنتان فتعملان الآن في سلك التدريس.. وأنا فخورة بهم جداً.. وهم أيضاً فخورون بي.. ويستشهدون دائماً أمام الناس بكفاحي في الحياة من أجلهم.. ويعترفون بأن الفضل يرجع لي بعد الله سبحانه وتعالي فيما وصلوا إليه.. وكانوا بمجرد حصولهم علي الوظيفة طلبوا مني أن أستقيل من عملي كي أرتاح بعد طول عناء من التعب و الكفاح.. ولكني رفضت.. فاجتمع ابنائي الأربعة جميعهم وكأنهم اتفقوا علي.. فأخذوا يقبلون رأسي ويدي قائلين بصوت واحد: حان الوقت يا أمنا الحبيبة أن ترتاحي.. فواجب علينا نحن الآن بعد أن حصلنا علي وظائف أن نخدمك ونرعاك كما فعلت معنا وأفنيت حياتك من أجلنا.. ومهما فعلنا لك لن نستطيع رد الجميل لك مدي الحياة.
هنا بكيت وبكي معي الأبناء وانحنوا يقبلون قدمي وأنا أمسح بيدي علي رؤوسهم.. وشعرت بالراحة وأنا أري ثمرة كفاحي أمامي والسعادة متغلغلة في أعماقي.. ولله الحمد أنني الآن أعيش مع أبنائي بسعادة وحب.. فلا تأخذهم أعمالهم وأشغالهم عني.. بل يجدون السعادة والراحة في مجالستي والحديث معي.. وأيضاً أنا لهم الأخت والصديقة ما يجعلهم يستأنسون بي.. وفوق كل هذا لا يريدون مني أن أقوم بأعمال البيت رغم قدرتي علي ذلك.. هم فقط يقومون بكل أعمال المنزل والعمل من أجل خدمتي وراحتي.. ولا يزالون يرددون بأنني مصدر فخر لهم تماماً مثلما أراهم مصدر فخر لي.. فأنا سعيدة جداً بهم.. وأيضاً أري السعادة في عيونهم.. ونحن نعيش الآن سعداء في بيت ترفرف عليه أجنحة السعادة من كل جانب.
مواقع النشر (المفضلة)