رسالة إلى أخي في الله :
هلم إلى الدخول على الله .. ومجاورته في دار السلام .. بلا نصب ولا تعب ولا عناء .. بل من أقرب الطرق و أسهلها .. وذلك أنك في وقت بين وقتين ..
وهو في الحقيقة عمرك .. وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقبل.
فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم و الاستغفار .. وذلك شئ لا تعب عليك فيه ولا نصب ولا معاناة عمل شاق .. إنّما هو عمل قلب.
وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب .. و امتناعك ترك و راحة .. ليس هو عملاً بالجوارح يشق عليك معاناته .. وإنّما هو عزم ونيّة جازمة تريح بدنك وقلبك وسرّك .
فما مضى تصلحه بالتوبة .. وما يستقبل تصلحه بالامتناع و العزم و النيّة.
وليس للجوارح في هذين نصب ولا تعب .. ولكن الشأن في عمرك وهو وقتك الذي بين الوقتين .. فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاحك .. وإن حفظته مع إصلاح الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذكر نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم .
وحفظه أشق من إصلاح ما قبله وما بعده .. فإن حفظه أن تلزم نفسك بما هو أولى بها وأنفع لها وأعظم تحصيلاً لسعادتها.
وفي هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت .. فهي و الله أيامك الخالية التي تجمع فيها الزاد لمعادك .. إما الجنة .. وإما النار .. فإن اتخذت إليها سبيلاً إلى ربك بلغت السعادة العظمى والفوز الأكبر في هذه المدّة اليسيرة التي لا نسبة لها إلى الأبد .. وان آثرت الشهوات والراحات و اللهو واللعب .. انقضت عنك بسرعة .. وأعقبتك الألم العظيم الدائم .. الذي مقاساته ومعاناته أشق و أصعب وأدوم من معاناة الصبر عن محارم الله و الصبر على طاعته و مخالفته الهوى لأجله.
المرجع:كتاب(الفوائد)لابن القيّم
مواقع النشر (المفضلة)