الرفق بذوي الحاجات
الرفق ضد العنف، الرفق خلق إسلامي جاء الحث على التخلق به في أحاديث عدة، منها: ما روي عن عبدالرحمن بن شماسة قال: “أتيت عائشة رضي الله عنها أسألها عن شيء، فقالت: ممن أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر، فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا منه شيئا، إن كان ليموت للرجل منا البعير فيعطيه البعير، والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة، فقالت: أما إنه لا يمنعني الذي فعل في محمد بن أبي بكر أخي أن أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به”. وما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: “استأذن رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم، فقلت: بل عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله، قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: قد قلت: وعليكم”: وروي عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من حرم الرفق حرم الخير، أو من يحرم الرفق يحرم الخير”، وروي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه”، وفي ترغيب الشارع في الرفق في كل الأمور ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه”. وروي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير”. وروي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاث من كن فيه ستر الله عليه كنفه وأدخله جنته: رفق بالضعيف، وشفقة على الوالدين، وإحسان إلى المملوك”، وأكثر الناس حاجة إلى أن يُرفَقَ بهم ذوو الحاجات، فإن حاجتهم ربما أوصلتهم إلى درجة من الضعف حتى إن نفوسهم ربما ضعضعتها وأذلتها الحاجة، فكانوا في حاجة إلى من يربت عليهم، ويلملم ما تضعضع من نفوسهم، ويهذّب ما تشعث من أحوالهم، ويزيل غصة نشبت في حلوقهم بسبب ما ألم بهم، خاصة وأن بعض ذوي الحاجات ربما رأوا بعد استحكام حلقات الحاجة وضيقها عليهم، أن الدنيا أظلمت في أعينهم وكلح لونها، وتبدل حالهم فيها، حتى هانت عليهم أنفسهم وبان لهم أنهم صاروا أهون على غيرهم، وحاجات الناس في زماننا زورق في بحر لجب لا يجد له مرفأ يرسو فيه، فمن الناس من له حاجة في علاج بدنه أو أحد أفراد أسرته من داء عضال، ضاقت ذات يده عن تدبير نفقاته، ومنهم من له حاجة ماسة إلى عون لإعفاف نفسه بالزواج في زمان كثرت به المفاتن والفتن، ومنهم من هو في حاجة إلى سكن يؤويه ويؤوي أهله، بحيث تتسع أرجاؤه لمقامهم ومنامهم ومعيشتهم ووقايتهم، ومنهم من تشتد حاجته إلى القرار ببلد به أهله وذريته، فينشد نقل عمله إليه ليقر قراره وتهدأ نفسه، وتهنأ أسرته بجمع شمل أفرادها في مكان واحد، ومنهم من ينشد لولده تعليماً مميزاً يطمح إليه وتتوق نفس ولده إلى الالتحاق به، إلا أنه لا يجد ما ينفقه على ولده لتحقيق هذه البغية المأمولة، ومنهم من بلغ أرذل العمر وضاقت به السبل عن أن يجد ملاذاً آمناً له يقضي به البقية الباقية من عمره، بعد أن عجز عن التطواف في رحلة الحياة، فحطت به عصا الترحال إلى لا شيء، بعد أن تنكب عليه الآل والولد، وتنكر له الأقارب والأباعد، ولم يعد لدى من يعرفه متسع لاحتوائه في بيته أو حتى في صدره، ومنهم من أظلمت الدنيا في وجهه بعد ضياع حقه، فكان في حاجة إلى إيصال حقه إليه، ومنهم من فقد العون والمساندة ممن كان يعينه ويسانده، فكشرت له الدنيا عن أنيابها بعد أن ادلهمت به الخطوب، ووجد نفسه وحيدا يواجه تيارها الجارف الذي لا يرحم، كل هؤلاء وكثير غيرهم لهم حاجات شتى إلى غيرهم، تلتمس أنفسهم قضاءها، وتتوق إلى تحقيقها، وتهفو أفئدتهم إلى من يرفق بهم عند سؤال حاجاتهم، فيكفكف الدمع المتحدر من مآقي بعضهم، ويحنو عليهم، ويرحم ضعفهم الذي ألجأهم إلى سؤال غيرهم، وأن يعدهم خيراً بقضاء حوائجهم، ويلقاهم بطلاقة وجه، غير عابس ولا نافر ولا متضجر، جاعلاً حاجتهم محط اهتمامه ومحور تفكيره، فمن قضى حوائجهم أمن من الفزع يوم القيامة، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن لله خلقا خلقهم لحوائج الناس، تفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله”، فإذا ضم إلى قضاء حوائجهم الرفق بهم، كان ذلك قرينة على أن الله تعالى آتاه بهذا الرفق حظه من الخير، وكان جديراً بأن يرفق الله تعالى به، وأن يدخله جنته، وذلك هو الفوز العظيم.
مواقع النشر (المفضلة)