يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة النساء: “إِن اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدوا الأَمَانَاتِ إِلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ الناسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِن اللّهَ نِعِما يَعِظُكُم بِهِ إِن اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً. يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدوهُ إِلَى اللّهِ وَالرسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً” (الآيتان: 58 59).

الأمانات: جمع أمانة وهي كل ما يؤتمن الإنسان عليه والمعنى أن الله تعالى يأمركم أيها المؤمنون أن تؤدوا ما اؤتمنتم عليه من الحقوق سواء أكانت هذه الحقوق لله تعالى أم للعباد، وسواء أكانت فعلية أم قولية أم اعتقادية.

وقد أسند سبحانه الأمر إليه مع تأكيده، اهتماماً بالمأمور به، وحضاً للناس على أداء ما يؤتمنون عليه من علم ومال وودائع وأسرار، وغير ذلك مما يقع في دائرة الائتمان وتنبغي المحافظة عليه. ومعنى أدائها إلى أهلها: توصيلها إلى أصحابها كما هي من غير بخس أو تطفيف أو تحريف أو غير ذلك مما يتنافى مع أدائها بالطريقة التي ترضي الله تعالى.

التزام العدل

وقوله سبحانه: “وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ الناسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ” أمر بإيصال الحقوق المتعلقة بذمم الغير إلى أصحابها إثر الأمر بإيصال الحقوق المتعلقة بذممهم.

وقوله “حَكَمْتُم” من الحكم ومعناه الفصل بين المتنازعين وإظهار الحق لصاحبه، وقوله “بِالْعَدْلِ” أي بالحق الذي أوجبه الله عليكم.

والمعنى: وكما أمركم الله تعالى بأداء الأمانات إلى أهلها، فإنه يأمركم أيضا إذا حكمتم بين الناس أن تجعلوا حكمكم قائما على الحق والعدل، فإن الله تعالى ما أقام ملكه إلا عليهما، ولأن الأحكام إذا صاحبها الجور والظلم أدت إلى شقاء الأفراد والجماعات.

وقد وردت العديد من الآيات القرآنية التي تأمر المسلمين بإقامة العدل ودفع الظلم منها قوله سبحانه: “إِن اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ” (النحل: 90) وقوله سبحانه: “وَلاَ يَجْرِمَنكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُواْ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتقْوَى”.

وقوله تعالى: “إِن اللّهَ نِعِما يَعِظُكُم بِهِ” أن الله تعالى قد أمركم يا معشر المؤمنين بأداء الأمانة، وبالحكم بالعدل ولنعماهما شيئا جليلا يذكركم به ويدعوكم إليه.

وعد ووعيد

وقوله تعالى: “إِن اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً” وعد للطائعين ووعيد للعاصين.. أي أن الله تعالى كان سميعا لأقوالكم في الأحكام وفي غيرها “بصيرا” بكل أحوالكم وتصرفاتكم وسيجازيكم بما تفعلونه من خير أو شر.

وبعد أن أمر الله سبحانه بأداء الأمانة وبالحكم بالعدل عقب ذلك بأمر المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله وولاة أمورهم فقال تعالى: “يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ”.

وطاعة الله وطاعة رسوله متلازمتان. ومعنى طاعتهما التزام أوامرهما واجتناب نواهيهما.

والمراد بأولي الأمر على أرجح أقوال المفسرين الحكام، وطاعتهم إنما تكون في غير معصية الله، فإذا أمروا بما يتنافى مع تعاليم الدين فلا سمع لهم على الأمة ولا طاعة.

وإنما أمرنا الله تعالى بطاعتهم في غير معصية، لأنهم هم المنفذون لتعاليم الشريعة وهم الذين بيدهم مقاليد الأمة التي يقومون على رعاية مصالحها.

وقوله عز وجل: “فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدوهُ إِلَى اللّهِ وَالرسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر” بيان لما يجب على المؤمنين أن يفعلوه إذا ما حدث بينهم اختلاف في أمر من الأمور الدينية.. والمراد بالتنازع هنا: الاختلاف والجدل مأخوذ من النزع بمعنى الجذب.

والمعنى: فإن تنازعتم واختلفتم أيها المؤمنون أنتم وأولو الأمر منكم في أمر من أمور الدين فردوه إلى الله والرسول. أي فردوا ذلك الحكم أو الأمر الذي اختلفتم فيه إلى كتاب الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن تسألوه عنه في حياته، وترجعوا إلى سنته بعد مماته.

وقوله: “إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ” أي إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر حق الإيمان فارجعوا فيما تنازعتم فيه من أمور دينية إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.