نوع من الكبريـــاء.

[موناليزا1]

إلتحقت (سارة) حديثا ً بشركة متخصصة في تصاميم الديكورات المنزلية , فهذا هو حلمها منذ طفولتها ,

أن تكون مصممة عالمية تجيد فن الرسم , وتخلق من البيوت الصامتة بيوتا ناطقة تزينها الألوان

الجميلة .. أعتادت (سارة) أن تصل إلى مقر عملها بإلتزام دون تأخير ولكنها لاحظت أن هناك من هو

يسبقها دائما ً بالحضور مما يلزمها بإلقاء التحية عليه في كل يوم , مكتبها مقابل لمكتبه حيث يفصل

بينهما جدار زجاجي لا يحجب ما خلفه , يجلس (بدر) على كرسيه ويعمل بجد دون أن ينظر إلى من

هم حوله .. أثار فضولها هذا الصمت الرهيب والعزلة المحيطة به مما دفعها إلى سؤال زميلتها عن

هذه الجدية في العمل , فأخبرتها إن هذا هو وضعه منذ أن رأته, ولا يدخل إليه سوى مسؤول القسم

لمناقشته في إنجازاته ورسوماته , لقد كانت لوحاته تملأ جدران الشركة , فهي عبارة عن تحف فنية ,

كانت له لمسة ساحرة , إن من يحدق النظر في لوحاته يشعر كأنه دخل إلى روضة خضراء يسمع

صوت الماء الذي رسم فيها ويشعر بدفء الشمس الساطعة في معالمها .

مرت أيام عديدة ومازالت تراقبه في كل صباح , وتسرق بعض النظرات إليه بين فترة وأخرى , إرتاحت

له رغم صمته وكبريائه , فرؤيته ترسم إبتسامة على ثقرها , وفرحة مجهولة في قلبها ..

ذات صباح أحضرت ورقة صغيرة وكتبت عليها " صباح الخير .. هل باستطاعتك أن تعلمني بعض من

فنون الرسم ؟ فأنا جديدة هنا .. سارة " وأرسلتها مع (سليمان) الرجل المسن الذي يحضر لها قهوتها

الصباحية , ولم تمضي سوى لحظات إلا وهو عائد إليها دون أن يحمل ورقة في يده ويقول لها :

_ الشاب يجيبك بلا .. أعذريني هذه إجابته الجافة , ولا أعلم على ماذا ..؟

_ لا عليك .. شكرا ً لمساعدتك . شعرت بضيق شديد لسببين , أولهما بأنها هي من بادر بالتعارف ,

وثانيهما بأنه رفضها .. فأعلنت التحدي , وقررت أن تكشف تكبره وتوضح له أن التعالي أمر مكروه

بين الناس .. فعزمت أن تأتي في صباح الغد مبكرة قبل حضوره لتواجه صمته وغروره .

استعدت في اليوم التالي وأدهشت موظف الإستقبال بقدومها المبكر , ابتسمت له واتجهت إلى مكتبها ,

وضعت حقيبتها بجانبها وجلست تراقب الوقت الذي شعرت بتثاقله ورفضه للمرور , أصابها التوتر وهي

تنتظر والأفكار تتوافد إليها _ لن أرد عليه التحية وسأخبره بأن هذه الصفة ليست بالحميدة , سأواجهه

بحقيقته .. الهدوء يعم المكان , أقلقها تأخره , وما أن يقوم موظف الإستقبال بترتيب أوراقه وإحداث

ضجة إلا قفزت من مكانها ضانة إن (بدرا) قد أتى .. بعد مرور خمسون دقيقة اتجهت إلى الموظف

لكي تتحدث إليه , وما إن وصلت إلى مكتبه إلا وجرس الهاتف يرن فيجيب عليه :

_ مرحبا (بدر) أنا قادم إليك لأحضرك .. !

_ بدر .. ؟

_ نعم بدر .. كعادته , يوصله أخيه إلى الباب الخارجي وأقوم أنا بإحضاره ..

زاد إتساع عينيها من الدهشة ولم تستطع الإنتظار فلحقته إلى الخارج , وما إن وصلت هناك حتى

شاهدت (بدر) جالس على كرسيه المتحرك بجانب الرصيف وينتظر الموظف أن يساعده في دفع الكرسي

وقفت صامتة في مكانها , ومر بجانبها دون أن يلقي التحية عليها فتبعتهما وهي تحبس دموعا ً

وتساؤلات كثيرة ,_ لماذا يخفي إعاقته .. ؟ وكيف لم أتمكن من معرفة مصابه .. ؟

دخل إلى مكتبه وحمله الموظف ووضعه على كرسي العمل , أخذ الكرسي المتحرك ووضعه في ركن

صغير لا يكاد يلاحظه أحد , لم تنتهي أسألة (سارة) المتتابعة في مخيلتها إلى أن جاءها الموظف :

_ (سارة) إن (بدرا) يدعوك أن تذهبي إلى مكتبه .. رفعت عينيها بإتجاه مكتبه فوجدته ينظر إليها وكأنه

يطلب منها الحضور , بعد تردد قليل ذهبت إليه ودخلت مكتبه وهي صامته ..

_ ألن تلقي بالتحية علي كما تفعلين في كل صباح ..؟ اسمعيني (سارة) أنا إنسان ناجح في عملي لو

علم من حولي بإعاقتي لقللوا من شأني , صدقيني واجهت هذا الموقف في أماكن عدة ولم أعد قادرا ً

على إحتماله أكثر من ذلك , هذا هو سبب إخفاء حقيقتي عن الجميع .. هزت رأسها منكرة لهذا

التصرف وكأنها تقول له هذا قضاء الله كيف لنا ان نرفضه ..؟

_ أما زلت يا (سارة) راغبة بأن أعلمك فنون الرسم .. ؟

ابتسمت وهي تجيبه _ نعم , ولكن عندي شرط صغير ..

_ تفضلي ..

_ أن تتعلم أنت أيضا ً ..

ابتسما معا ً , وبدأ بينهما حديثا ً لم ينتهي إلى يومنا هذا .




تمت ....منقوله ...

اتمني ان تحوز علي اعجابكم ................

[صمت الوداع]

تجاااوزفي النشرر