عالم من الفانتازيا والرومانسية
مجوهرات تجمع بين التفتح الجريء والخفر اللذيذ.. «بيلادونا» الفنانة فكتوار دي كاستيلان
«اعشق الأشياء المبالغ فيها.. الكبيرة، الطريفة والمتميزة، لأن المجوهرات لا تكتسب جمالها إلا إذا نجحت في لفت الانتباه وأكدت وجودها» هذا ما قالته مصممة مجوهرات دار «كريستيان ديور» فكتوار دي كاستيلان، مضيفة «على شرط ان تكون لها فكرة أو قصة». فكتوار، كما يدل اسمها، امرأة قدر لها النجاح والنصر، فهي من المحظوظات، لأنها استطاعت ان تجعل من عشقها للمجوهرات وهواية مارستها منذ طفولتها، مهنتها. من حظها أيضا أنها، بعد اكتسابها تجربة طويلة في هذا المجال، التحقت للعمل مع دار كبيرة مثل «ديور»، لا تبخل عليها بالإمكانيات، وتتيح لها المجال لإطلاق العنان لخيالها بدون حدود، وإنجاز تحف فنية، لا تتكرر، أي بمستوى الـ«هوت كوتير» على غرار ما تقدمه الدار في مجال الأزياء.
الفرق بينها وبين الأزياء الرفيعة ان قطعها تباع أسرع، قبل ان تصل إلى الأسواق أحيانا، خصوصا أنها لا تحتاج أن تفصل على حجم المرأة. فهي تحتاج فقط إلى امرأة ذواقة وعين فنانة لتقديرها وسبر أغوار تقنياتها وجمالياتها. وعلى ما يبدو فهذا النوع من النساء ليس بقليل إذا اخذنا بعين الاعتبار حجم الإقبال الكبير على تشكيلتها الأخيرة «بيلادونا» التي أزاحت عنها الستار خلال اسبوع الموضة بباريس، في متحف الـ«لورنجري» الذي تعرض فيه أعمال الفنان كلود مونيه، وبالذات رائعته «الزنابق المائية». أن تتزامن المناسبة مع اسبوع باريس، فهذا مدروس ومفهوم لاستقطاب اكبر عدد من المتخصصين في مجال الموضة، وأن يكون المكان هو هذا المتحف بالذات، فأيضا له دلالة كبيرة، كونه يحضن «الحديقة المائية» لمونيه وعالمه «اللامتناهي» كما فسره.
فكتوار بدورها اخذت مفهوم المجوهرات الراقية إلى بعد جديد.. بلا حدود، سواء من حيث الفكرة أو التصميم المبتكر، بل وحتى الخامات. عند وصف هذه المجوهرات بالتحف الفنية يشرق وجه فكتوار بابتسامة عريضة، لكنها سرعان ما تتدارك مصححة: «وصف مجوهراتي بالتحف الفنية والقول بأنها تليق بالمتاحف يشعرني بالفخر والزهو، لكنني في الحقيقة افضل ان تستمتع بها المرأة، فأنا بطبعي أحب الحياة. وسواء تعلق الأمر باستعمال هذه المجوهرات كمكمل للأزياء، بشكل يعانق الجسد ويلامس البشرة، أو لمجرد الزينة في البيت، فهذا ما يجعلها بالنسبة لي تحفا، خصوصا أنها بأحجام كبيرة ولافتة».
تأثير «الزنابق المائية» لمونيه في مجموعة «بيلادونا» لفكتوار لا يقتصر على أشكال الأزهار، بل يمتد إلى الخامات ايضا. تقول:«الزنابق المائية بالنسبة لي تشبه حجر الأوبال المفضل لدي، فضلا عن أحجار أخرى، ما يجعل القواسم المشتركة بينها وبين هذه الأزهار كثيرة». وطبعا كون المجموعة ترحل بنا أيضا إلى عالم فانتازي في جزيرة خيالية اسمها «بيلادونا» على اسم الوردة التي تعرف أيضا بحشيشة ست الحسن، حيث يتكاثر هذا النوع من النباتات التي تنتمي إلى فصيلة الباذنجانيات السامة، بسبب احتوائها على نسبة عالية من القلويات، يضفي عليها سحرا لذيذا، لاسيما إذا عرفنا ان جميلات إيطاليا في عصر النهضة كن يستعملن نسغها كقطرات لتفتيح العيون وجعلها تبدو أكثر إثارة وجاذبية، ومن هنا جاءت تسمية «بيلادونا» أي «السيدة الجميلة».
المعروف عن هذه الأزهار أيضا أنها تلعب على فكرة «.. ومن الجمال ما قتل». فالحشرات تنجذب إليها، لكن ما أن تحط عليها لتتمتع برحيقها وألوانها، حتى يتحول هذا الجمال إلى مقبرتها، بعد ان تنقض عليها الزهرة بالإنغلاق على نفسها، «فتميتها حبا» كما تقول فكتوار. لكن رغم هذه النهاية المأساوية، إلا ان الواحدة منا لا يمكن ان تتجاهل الجانب الرومانسي في القصة، الذي يلعب على مفهومي الحب والموت، والإغراء بكشف الجمال، والغموض بضم اسرارها، وهذا بالضبط ما ترجمته فكتوار في هذه المجوهرات التي تنفتح وتنغلق بالكبس على زر صغير يتخذ شكل حجرة كريمة، بفضل تقنيات جد متطورة ومساعدة حرفيين عالميين. لحسن الحظ ان النهاية هنا تكون سعيدة جدا، فليس هناك امرأة في العالم لا يمكن ان تطير فرحا عند حصولها على قطعة فريدة ومميزة، والأهم من هذا تعتبر من المقتنيات النادرة.
تقول فكتوار: «أحب القصص الغريبة، لكن على شرط ان تكون نهايتها سعيدة، مثل قصص الأساطير والأميرات. بالنسبة لي العالم فيه ما يكفي من المآسي، من حروب وقتل ودموية، لهذا أحب ان أهرب إلى الحلم وان اعكس هذا الحلم في عالم فانتازي، مثير ومفعم بالرومانسية. كون هذه المجوهرات تتفتح وتنغلق تلعب أيضا على إبراز الجمال من جهة، والغموض والتخفي من جهة ثانية، وهذا ما يجعلها مثيرة ويمنحها خصوصيتها. فحتى الذهب، مثلا، تم طلاؤه باللون الأخضر للتمويه عنه، لأن فكرة الفخامة بالنسبة لي هي الإحساس بأن هناك خامة مترفة بالداخل، من دون محاولة لفت الانتباه بطريقة فجة». وتتابع: «في الوقت الحالي اصبح كل شيء متاحا، وكل شيء مكشوفا، إذ يمكننا أن نرى أي شيء وكل شيء بسبب العولمة وغزو الانترنت، وهو أمر له إيجابياته وسلبياته في الوقت ذاته. من سلبياته انه لا يترك أي شيء للخيال، بينما اعتقد ان الغموض أفضل وسيلة لإثارة الحواس بما في ذلك الغرائز. ولأن العالم من حولنا يمكن ان يتحول بسهولة إلى مكان فاضح وفج، كان مهما أن أجعل هذه الزهور تلعب على فكرة مثيرة تغازل الغريزة، لكن بذوق وغموض.
هذه الأزهار مثل المرأة : تريد ان تكون محمية لكنها تتمتع بأنوثة حسية وسحر جارف».
رد مع اقتباس
مواقع النشر (المفضلة)