«آي فون» .. تصميم مذهل لتسهيل تفاعل الإنسان والكومبيوتر
الجيل الثالث من تقنيات واجهة الاستخدام يوظف اللمس المتعدد والإيماءات والأبعاد الثلاثية لتنفيذ المهمات
عندما عرض ستيف جوبز نظامه الجديد «آي فون» iPhone في معرض «ماك وورلد» في اوائل شهر يناير (كانون الثاني) الماضي احدث ضجة واسعة هناك لاسيما على صعيد الاعلام، كما أزعج ايضا الشركات المنتجة للهواتف الذكية الجوالة. نعم.. لقد غير جوبز العالم! وبعد مضي ستة اسابيع على ذلك التاريخ نسينا امرا واحدا وهو ان هذا النظام ليس موجودا بعد، على الأقل كسلعة لم يجر شحنها بعد الى الزبائن. فلا انت ولا انا امسكنا حتى الآن بأيدينا بمثل هذا الجهاز، وكل ما نعرفه عنه جاء من الاعلانات التي تروج له. من هنا فانه قد يكون افضل جهازا انتج حتى الان، او قد يكون جهازا سيئا مثل جهاز «نيوتن» اليدوي الجوال. وكلا الأمرين ممكنان!
* فكرة «آي فون» كان عرض نظام «آي فون» الذي ابتكره جوبز من القوة بحيث جعل الناس يقتنعون ان «أبل» استطاعت ابتكار طريقة جديدة كاملة لواجهة الاستخدام Interface (أو السطح البيني نسبة الى السطح بين الجهاز الالكتروني والمستخدم الذي يتفاعل معه لتشغيله)، بل استطاعت «أبل» في الواقع ان تفعل امرا اكثر اهمية من ذلك، اذ اخذت بعضا من افضل ابحاث واجهة الاستخدام، لتضعها في المنتج هذا الذي ستستطيع شراءه. وقد فعلت الأمر ذاته مع كومبيوتر «أبل» الأصلي «ماك» ومع «آي بود».
هكذا تغير «أبل» العالم، اذ تأخذ اعدادا كثيرة من الأبحاث من مختبرات الغير لتقوم بتهذيبها وسد نواقصها، وبالتالي شحنها كمنتجات استهلاكية «ساخنة» وجذابة يمكن للجميع شراؤها. وسواء كان النجاح أو الفشل حليف «آي فون» فان العالم سيتذكره كأول خطوة رئيسية كبرى نحو الجيل الثالث من تقنيات تفاعل مستخدم جهاز الكومبيوتر «بي سي».
وكان الجيل الاول من واجهة الاستخدام للتفاعل، عبارة عن أيقونات التحكم المعروضة على الشاشة، هو الصنف الذي اكتسح السوق. ولم تقم «أبل» باختراعه بل استخدمت المبدأ في كومبيوترات «أبل» الأولى. ثم جاء الجيل الثاني من وسائل تفاعل المستخدم عبر برامج «ويندوز» التي يمكن التحكم بحجمها التي تعمل بأسلوب الملفات والتي اساسها الأيقونات التي نستخدمها حاليا. ومرة اخرى لم تقم «أبل» باختراع ذلك، بل شركة «زيروكس». ولكن «أبل» كانت الشركة الكبرى الأولى التي اخذت بتحويلها الى منتج استهلاكي، الذي كان هو كومبيوتر «ماكنتوش» الذي ظهر عام 1984.
واخيرا بدأت هذه العناصر بالتحسن بعد ان قامت مايكروسوفت بشحن نظامها الجديد للتشغيل «ويندوز فيستا»، ويتوقع ان يكون موعد تحديث نظام «أبل» الى «أو إس إكس» OSX اواخر الربيع المقبل. ورغم ان هذه المنصات تحتوي على عناصر الجيل المقبل من تقنيات تفاعل المستخدم، الا انها تعتمد على الملفات القديمة ذاتها والأيقونات ونماذج «ويندوز» منذ الثمانينيات. ويعتقد الكثيرون ان الانتظار 23 سنة لحصول القفزة الأساسية الجديدة التالية في تقنية تفاعل المستخدم، هي فترة طويلة.
* عناصر مستقبلية يبدو ان الجيل الثالث من واجهة الاستخدام قد جرى اختراعه فعلا، اذ تم تنفيذ جميع اعمال البحث. وفي الواقع جرى تطوير بعض العناصر بشكل مستقل من قبل عشرات العبقريين في العديد من مراكز الأبحاث بحيث اخذ كل منها منحى مختلفا قليلا، وان التزم كل منها بأكثر من واحد من العناصر الخمسة الرئيسية لوسائل تفاعل المستخدم المستقبلية. والعناصر الخمسة هي التالية:
> اللمس المتعدد: الكثير من الناس حاليا يعتقدون ان «أبل» هي التي اخترعت اسلوب اللمس المتعدد. وفكرة هذا الاسلوب هي ان الشاشة التي تعمل باللمس بمقدورها التجاوب مع نقطتين أو اكثر من نقاط التحكم والسيطرة في وقت واحد. وفي الواقع فان الباحثين يقومون منذ اكثر من عقد بتطوير تقتيات اللمس المتعدد.
واسلوب اللمس المتعدد في وسيلة تفاعل مستخدم كومبيوتر «بي سي» هو اسلوب قوي كقوة «اللمس المتعدد» في الحياة العادية. تصور مثلا لو انك احتجت الى أن تتفاعل مع الحياة عن طريق اصبع واحد، وهما يصبح طلب رقم هاتفي ممكنا في هذه الحالة، لكن التقاط السماعة قد يضحى مشكلة. ويتيح لك اللمس المتعدد النقاط الأشياء الموجودة على الشاشة وتدوير اتجاهها واعادة تحجيمها، لا بل القيام بأمور نافعة اخرى. وهنا ما يستطيعه اسلوب اللمس المتعدد ان يفعله.
> الايماءات: اجهزة الجيل الحالي التي تعمل بشاشات اللمس تعمل ايضا باسلوب الايماءات البدائية. وفي الواقع حتى «أبل نيوتن» الذي هو من أوائل المساعدات الرقمية الخاصة كان يدعم هذا الأسلوب، فاذا قمت مثلا بإحاطة نص بدائرة اثناء الكتابة عليه، يجري اختيار الكلمة هذه المحاطة بدائرة. وهذا ما يسمى «الايماءة». ومن المدهش ان عملية اللمس المتعدد تضاعف قوة الايماءات كثيرا. ومثال على ذلك .. يمكنك وضع اصبعين على يمين الصورة ويسارها، ثم استخدام هذه الايماءة في تحريك الأصبعين بعيدا عن الأصبعين الأخرين لتكبير الصورة فورا.
> الفيزياء: الجيل الثاني من تفاعل المستخدم مزود بملفات وعلب للنفايات ووثائق. وهي تمثل اجساما طبيعية، لكنها لا تتصرف كأجسام طبيعية. وهي لا تتحرك كأن لها وزن، أو كتلة، أو زخم. وعندما تقوم بإزاحة الملف عبر سطح مكتب «ويندوز» لا تتباطأ بشكل تدريجي، لكنها تقف في اللحظة التي تحرر، أو تطلق فيه زر الماوس. وعندما تقوم بصدم ايقونة ضد الأجسام الأخرى على سطح المكتب فهي لا تتبعثر مثل أعمدة «الباولنغ» عندما تصطدم بها الكرة.
واذا ما حصل ذلك فعلا فان عقلك يقبل ذلك على انها اجسام فعلية، وهنا مثال عن الإيماءات المتحدة مع الفيزياء.
> ألأبعاد الثلاثية: بعض أجسام التفاعل سواء في نظام «فيستا» او «أو إس إكس» لها مميزات وسمات الأبعاد الثلاثية. وكمثال على ذلك، يمكنك تدوير اي وثيقة على محورها ورؤية ما مكتوب على ظهرها، او النظر الى واجهة الوثائق والمستندات من الجانب التي تساعدك على اختيار الشيء الذي تريده منها وتنظيمها. وأغلبية الجيل الحالي من تفاعل المستخدم هي ثنائية الأبعاد فقط.
> تصغير الأيقونات: تعتبر الأيقونات العنصر المركزي لانظمة التشغيل الحالية. وهي تمثل الملفات والوثائق والمستندات والتطبيقات في حالتها المغلقة. وعندما تقوم بالنقر عليها لفتحها تبقى الايقونات مكانها، لكن النقر يفتح ما في داخلها عن طريق تحميل الذاكرة. لكن في الجيل المقبل ستجعل انظمة التشغيل، مثل هذه البنود وما في داخلها، العنصر المركزي بحيث لا تمثل الأيقونات حالتها المغلقة. اذ سيكون بمقدورك تقليص أو توسيع اي جسم الى ما لا نهاية الى كل الاتجاهات، لكن مثل هذا الحجم سيكون مرنا، وسيظهر بدرجات من السعة بدلا من أن يكون اما مغلقا أو مفتوحا. وهنا الشكل الذي ستبدو عليه تفاعل المستخدم من دون ايقونات.
وتجميع مثل هذه العناصر يعني ان واجهة الاستخدام سيختفي عمليا، ومعه ضرورات تعلم الاستخدام الأساسي له، اذ سيكون بمقدور طفل يستيقظ على الجيل الثالث من كومبيوترات «بي سي» ليشرع في اللهو به كما يشاء. ولكن هل يبدو ذلك مألوفا؟ انها العناصر الخمسة لتفاعل مستخدم «آي فون»، وهي لا توجد معا في اي منتج آخر رئيسي.
ان المقصود من جهاز «آي فون» لا يتمثل في تلاقي جهازي الهاتف و«آي بود» سوية، أو حتى استخدام نظام «أو إس إكس»، لكن المقصود هو الكومبيوتر الاول الذي يسوق للجماهير مزودا بالجيل الثالث من تفاعل المستخدم. انه جهاز يجمع كل شيء من اسلوب اللمس المتعدد الى الايماءات والفيزياء والأبعاد الثلاثية وتصغير الأيقونات. وعلاوة على العناصر الخمسة الخاصة بتفاعل المستخدم، هناك العتاد الذي يأتي معها ويعمل بشكل جيد، مع شاشة واسعة تعمل باللمس، وغرافيكس قوي جدا ثلاثي الآبعاد، مع الأسلوب العالي الأداء لاستعادة الملفات. والخبر المثير هو انك ستستطيع شراء جهاز صغير من هذا النوع من شركة «سنغيولار». لكن، هل سيكون اصدار واجهة الاستخدام من الجيل الثالث هذا المخصص لسطح المكتب لكومبيوترات «بي سي» قادما من شركة «أبل» أم من «مايكروسوفت»؟ توقعات خبراء «بي سي وورلد» انها ستأتي من الاثنين معا، وربما من بوابة «غوغل» التي قد تقدم شيئا مختلفا ايضا. الزمن وحده كفيل بتوضيح الأمور، غير أن الأمر المهم هنا هو ان الاتجاه الذي تسير عليه تقنيات واجهة الاستخدام ووسائل تفاعل المستخدم مع الجهاز الالكتروني اصبحت واضحة للعيان.
مواقع النشر (المفضلة)