عندما يكون الحديث عن الأمل، فهو حديث عن السعي، والبحث والتخطيط، ولا بديل عن هذه المعاني إلا التقاعس والعيش أبد الدهر رهن الإحباط واليأس.

إن مفهوم الأمل متعد الي الايجاب أو السلب. فاذا كان يعني تحديد الاهداف والعمل من أجل تحقيقها، والعناية بالمستقبل ليكون في اليد فهو المطلوب ايجابا. وأما اذا كان يعني التواكل، والاستسلام للأمنيات الفارغة فهو الفشل بعينه.

ان أكثر الروايات جاءت في الأمل المنصرم، وذلك للنأي بالانسان بعيدا عن التعلق بالدنيا ومتعها الفانية، والدفع به نحو الظفر بالآخرة، ألم تر كيف كان الذين كفروا متمسكين بأمانيهم في هذه الحياة، فانشغلوا بملذاتهم، ومتعهم، فاعرضوا عن ذكر الله. ومن هنا قال الله عز وجل عنهم ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون سورة الحجرات:3 أن العاقبة لم تكن في صالحهم، ذلك أن الأماني تعمي البصائر، وتضل القلوب، وفي ذلك يأتي القول المأثور الأماني تعمي عيون البصائر وفي حديث آخر يقول إن الأمل يسهي القلب، ويكذب الوعد، ويكثر الغفلة، ويورث الحسرة .

ومن أكبر مضار الأمل السلبي انه ينسي الأجل، فيغرق الانسان في شهواته، ومتعه، وينسيه أخرته، حقا ان الاجل يفضح الأمل كما ورد في الحديث الشريف.

أكثر الناس شركاء في الأمل المذموم، فهم أبناء الدنيا، ومشغولون بأمهم. ولكن يبقي الأمل المحمود هو المطلوب لتحقيق حياة طيبة، سعيدة، وناجحة. وقمة الأمل أن يكون الله عز وجل، فهو الذي بيده الأمور، والآمال، وهو الذي يقدر الحسابات، فمن يرتبط به، ويعلق أمله به، فانه الأقدر علي تحقيق أحلامه، وأمانيه المشروعة للدنيا والآخرة، فما من أمل أفضل من الجنة، وأسوأ الأمل اليأس من الجنة.

ولأن كل ما تراه اليوم من حقائق أمامك كانت آمالا وأحلاما بالأمس، فهذا دليل علي أننا باستطاعتنا تحقيق أحلام اليوم. فالأمل يزيد في العقل، ويشرح الصدر، ويفتح الآفاق. فلولا الخيال والآمال لكنا حي اليوم رهن الكهوف والغابات.

بحق أقول لكم، إن العيش في ظلال الآمال الكبيرة، خير من السياحة في أوحال الهموم الصغيرة، ذلك ان الآمال الكبيرة قد تحملك الي عالم الكبار.. أما الهموم والأماني الصغيرة قد تشدك الي عالم الصغار.

إن الأمل يأخذك بعيدا، فحتي لو كنت صفرا، فإنك مع الآخرين تشكل رقما مهما. واذا وجدت المحيط الذي تعيش فيه مغلقا فتطلع الي الأفق، واذا وجدت أن الأفق مغبر، فتطلع الي المحيط ثانية.. دائما هنالك بديل لك عن الاختناق.

انك اذا سيطرت علي أفكارك وتحكمت فيها، فإنك ستكون أقدر علي ضبط أعصابك، واذا حققت ذلك فإنك تصبح مديرا لآمالك، وبهذا يمكن تحقيقها.

إن الأمل الحقيقي يعني عدم القلق علي مافات، بل كن قلقا علي مالم يفت. فلا تهتم لمنصب لم تحصل عليه، ولا بفرصة ضاعت منك، ولا بمال لم تكسبه.. بل كن مهتما بما حصلت عليه من المنصب، والفرصة، والمال الذي تحت يديك.

ثم إنه ليس من حق أحد أن يتشاءم حول مستقبل البشرية، مادام هنالك أمل باستنهاض الضمير، وقيامة الإيمان، وتحول العالم الي الأفضل.

أن الأمل كل الأمل أن تصنع مستقبلك بيدك، وتحت أشعة الشمس التي تشرق كل يوم.
ولأن الأمل نعمة كبيرة من الرب، فإن التحدث بها في الحياة واجب تؤديه. وإذا كان الأمل واجباً، فإن اليأس حرام.