الحنان والقسوة صفتان متضادتان تكمن إحداهما في جوف الإنسان ولا يجتمعان في قلب واحد.

والحنان صفة جميلة جبل عليها الإنسان بالفطرة منذ ولادتة ولا تقتصر صفة الحنان بمحتواها علي قلب الإنسان فقط وإنما أيضا علي قلب الحيوانات والطيور والنبات وكل الكائنات علي الأرض. والإنسان يرث صفة الحنان من أبويه ومن المحيط الذي حوله فيتعلم كيف يحنو وكيف يعطي وكيف يحب ويتعلم كيف يحمي غيره، وقالت لي والدتي في أحد الأيام عندما كانت تري شخصا قاسيا في موقف ما، (إن الحنان لا يشتري)، إذن فالحنان صفة موروثة! وإذا كان الحنان هكذا فالقسوة أيضا صفة موروثة فعندما ينشأ الإنسان في بيئة قاسية القلب ومحيط جاف وخال من المشاعر وفي أسلوب يهمل العواطف والحب، يتعلم كيف يقسو. والصفة التي ينشأ عليها الإنسان تظل معه حتي يكبر، فتصبح هي كل طباعه وسلوكه ولا يستطيع تغييرها ، فالشخص القاسي الذي لم يتذوق الحنان ولا يعرف طعم الحب كيف يتغير؟، وبالمثل فالشخص الحنون الذي لم ير قسوة القلب وعنف المشاعر كيف يقسو علي من حوله؟.

والحنان ليس في قلب الإنسان فقط وإنما في الحيوانات أيضا يقول عالم أحياء أمريكي: كان هناك قط لصاحب بيت يقدم له الطعام كل يوم، ولكن هذا القط لم يكتف بالطعام الذي يقدمه له صاحب البيت، فأخذ يسرق الطعام من البيت ، فأخذ صاحب البيت يراقب القط فتبين أنه كان يقدم الطعام الذي يسرقه لقط آخر أعمي .

ويقول عالم الأحياء الأمريكي: ان هناك طبيبا شاهد في طريقه كلبا مصابا بكسر في إحدي قوائمه، فحمله الي عيادته البيطرية وقام بمعالجته، وبعد أن تماثل للشفاء، أطلق سراح الكلب، وبعد فترة من الزمن سمع الطبيب نباح كلب عند باب عيادته، فلما فتح الباب وجد الكلب الذي عالجه ومعه كلب آخر مصاب.

فيا سبحان الله من الذي ألهم هذه الحيوانات كل هذا الحنان وعلمها كيف تحنوا وتعطف علي بعضها!!! إنها قدرة الله الذي وضع كل هذا الحب والعطف في قلوبها، وما من قلب خلقه الله إلا ووضع فيه الرحمة والحنان، ولكن الإنسان هو الذي يكتسب السلوك البغيض ممن حوله فيتبدل الحنان الي القسوة أو أن القسوة تقتل عروق المحبة.


وسأروي لكم موقفا يعبر عن وجود الحنان والوفاء في أبشع الحيوانات خبثا وشرا وهذا الموقف حدث بالعراق، يحكيه شاب عراقي قائلا: عندنا نؤمن بشيء إسمه حية البيت (الأفعي) ففي أحد البيوت الريفية كان لأفعي صغار تحت كوم من التبن، وعندما أرادت المرأة العجوز صاحبة البيت رفع التبن، وجدت صغار الأفعي، فما كان منها إلا حملت الصغار الي مكان قريب آمن، وعندما عادت الأفعي ولم تجد صغارها جن جنونها، وإتجهت صوب إناء كبير فيه حليب، وقامت بفرز سمها من أنيابها في الإناء، وبعد أن بحثت ووجدت صغارها في مكان قريب، عادت ورمت نفسها في الحليب ثم خرجت منه، واتجهت الي رماد التنور وأخذت تتقلب به ليلتصق الرماد بجسمها ثم عادت ودخلت في إناء الحليب لكي تعيبه ولا يستخدمه أهل البيت، وقد كانت المرأة العجوز تراقب هذا المنظر العجيب من بعيد!!!!

ولكن كيف إنتبهت الأفعي الي سوء ظنها وتصويب ما فعلته بأهل البيت؟ وكيف أدرك القط بمعاناة أخيه القط وصعوبة حصوله علي الطعام وكيف كان له أن يتكفل بإطعامه؟


إن هذه الحيوانات سلب الله منهم العقل ولكن أعطاها الإحساس ووضع في قلوبها الرحمة لبعضها البعض، وليس عند هذا الحد فقط، ولكن الحيوانات وسائر الكائنات حتي النبات، تحمل الكثير من الوفاء للإنسان. ولله في خلقه شؤون!!!!!!