الحرية تلك الكلمة الساحرة الجميلة، التي تطرب لسماعها الآذان، وتحبها البشرية كلها.
لكن هناك من يشوه هذا الجمال بسوء استخدام الحرية؛ ما يجعل البعض بدأ يشمئز عند سماع هذه المفردة الجميلة!!
وبما أن الحرية بمعناها ومضمونها تتجاوز الجهات الأربع، ويختلف مفهومها عند مختلف البشر، بل ويختلف مفهومها وفهمها عند الأخوين أحيانا!
لذلك سأتناولها على شكل نقاط، ولعلي أصل إلى القليل والقليل جدا مما تحتويه هذه المفردة الساحرة من معان، وما ارتبطت به من قضايا.
1- مهما أوتي الإنسان من قوة وسلطة أو غنى أو غيرها، فإن هذا لا يسمح له بإيذاء الآخرين تحت بند (أنا حر).
ولنا في قصة ابن عمرو بن العاص مع الشاب المصري القبطي الذي شارك في سباق فيه ابن عمرو بن العاص، وفاز في ذلك السباق، فضربه ابن عمرو بن العاص، وقال له: كيف تسبق ابن الأكرمين؟ ومعلوم أن عمرو بن العاص هو فاتح مصر وأميرها آنذاك.فشكا القبطي ابن عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فاستدعى الفاروق ابن عمرو بن العاص، وجمعه بالقبطي، وأمر القبطي أن يضرب ابن عمرو بن العاص، قائلا: اضرب ابن الأكرمين. ثم قال الفاروق العبارة الشهيرة التي لا تخرج إلا من عظيم: (كيف تستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)؟
عليك رضوان الله يا أبا حفص، ما أعدلك وأكملك!!
كذلك الحرية ضد الخنوع والتذلل لا لأجل الوصول لأهداف أو غايات فقط، بل أحيانا ترى من يذل نفسه هوانا وهلعا وخوفا لا سبب ولا مبرر لها!! فلهذا نقول:
حُراً وُلدت فلا تكن مستعبَدا
لا العبدَ كنتَ ولا سواك السيدا
2- كل شيء له لون في هذه الحياة، والحرية لها ألوان كذلك!!
فهناك الحرية الحمراء، وهي التي تنتج عن حركات الاستقلال من ربقة الاستعمار.
ومثاله قول أمير الشعراء:
سلام من صبا بردى أرق
ودمع لا يكفكف يا دمشق
دم الثوار تعرفه فرنسا
وتعلم أنه نور وحق
(وللحرية الحمراء) باب
بكل يد مضرجة يُدق
وهناك الحرية البيضاء وخير مثال لها ما ننعم به من حرية وكرامة في بلدنا العزيز، بفضل من الله أولا ثم بفضل حنكة وشجاعة مؤسس هذا الكيان الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، ومن معه من الرجال الأخيار الذين سعوا إلى توحيد شتات هذا الوطن الكبير تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، فبلادنا ولله الحمد والمنة لم تستعمر، فنشأ أبناء هذا الوطن أحرارا في ظل قيادة عادلة وحكيمة، وسيظل هذا الوطن وأبناؤه أحرارا ما دمنا مستمسكين ومعتصمين بدين الإسلام، وما دمنا لحمة واحدة قيادة وشعبا، فالحمد لله أولا وآخرا.
وهناك الحرية السوداء وهي الحرية التي نراها في عدة وجوه وفي عدة صور، ومنها:
الحرية المزعومة عند القنوات (الفضائحية). فإن الكثير من القنوات باسم الحرية تعرض أفلاما فاضحة، أو تعرض برامج مخالفة للدين والأعراف والتقاليد المميزة لمجتمعاتنا التي عرف عنها أنها في غالبها محافظة ومتدينة!!
ومما استجد من أمر هذه (الحرية الكالحة السواد) ما نراه في بعض القنوات الفضائية من استضافة مشعوذين وأفاكين و(نصابين) لا يستحون من الله ولا من خلقه، وليس الخطأ هؤلاء الدجالين، بل هو خطأ من يستضيفهم، ولكن إذا عرف السبب بطل العجب، فالهدف الأول والأخير لهذه القنوات (الساذجة) هو حلب جيوب من يشاهد ويتواصل ويتصل معهم من (سذج) الناس!!
وليت الأمر يقف عند استنزاف الأموال، لهانت، ولكن الأخطر والأدهى والأمرّ هو استنزاف العقل والفكر، وذلك إن استمرت هذه المهزلة واستمر تواصل المشاهد معهم، فكما قيل: كثرة الإمساس تزيل الإحساس!
3- قيل: العبد حُر ما قنع، والحر عبد ما طمع.
هذه العبارة تأخذ حيز سطر كتابة، ولكنها تفي عن كتاب كبير في مدرسة الحياة!
فالحرية الحقيقية ليست الخلاص من الرق البشري، بل إنه الخلاص من رق الطمع والجشع، ورق الهوى والشهوات، ورق طاعة الشيطان ومعصية الرحمن.
وهناك عبارة يقولها البعض، وتتردد على مسامعنا صغارا، ولم نفهم معناها إلا عندما كبرنا، ورأينا من يحب المال أكثر من حبه لأولاده وأهله، بل ونفسه والعياذ بالله، هذه العبارة لا تقل عن سابقتها قوة وإيجازا: (اللهم لا تجعلها في قلوبنا، واجعلها في أيدينا)، والمقصود بها الأموال. وصدق من قال:
وخالف النفس والشيطان واعصهما
وإن هما محضاك النصح فاتهم
4- هناك كلمتان تكونان جملة جميلة إذا جاءت كما ينبغي، وكما هو مرغوب ومحبوب أن يكون فيه وعليه الإنسان، هاتان الكلمتان اللتان استخدمتا أكثر من غيرهما، وأسيء استخدامهما أكثر من غيرهما أيضا هما: (أنا حُر).
نعم أنت حر أيها الإنسان ما لم تتعدَّ على حرية الآخرين.وأنت حر ما دمت ملتزما بحدود الأدب، وقواعد التعامل مع من حولك.
وأنت حر ما لم تصل حريتك إلى رقاب، وأموال، ومشاعر الآخرين..!!
متى يعلم البعض ممن يستهلك هذه الجملة أن حرياتهم تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين؟؟
مواقع النشر (المفضلة)