يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة السجدة: “الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من وليّ ولا شفيع أفلا تتذكرون يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون، ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون”.

وفي الآية الأولى يثني الحق سبحانه وتعالى على ذاته، بما يستحقه من إجلال وتعظيم وتقديس.

وقوله عز وجل في “ستة أيام” أي في ستة أوقات لا يعلم مقدارها إلا الله، وهو سبحانه قادر على أن يخلق السماوات والأرض وما بينهما في لمحة أو لحظة.

وقال بعض المفسرين: ليست هذه الأيام من أيام هذه الأرض التي نعرفها، إذ أيام هذه الأرض مقياس زمني ناشئ من دورة هذه الأرض حول نفسها أمام الشمس، أما حقيقة هذه الأيام الستة المذكورة في القرآن فعلمها عند الله، ولا سبيل لنا إلى تحديدها وتعيين مقدارها.


عرش الله

وقوله سبحانه “ثم استوى على العرش” إشارة إلى استعلائه وهيمنته على شؤون خلقه، وقال بعض العلماء: وعرش الله تعالى مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم. أما الاستواء على العرش، فذهب سلف الأمة إلى انه صفة الله تعالى بلا كيف ولا انحصار ولا تشبيه ولا تمثيل، ولوجوب تنزيهه عما لا يليق به.

وقوله سبحانه: “ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون” أي ليس لكم أيها الناس إذا تجاوزتم حدود الله عز وجل “من ولي” أي من ناصر ينصركم إن أراد عقابكم “ولا شفيع” يشفع لكم عنده لكي يعفو عنكم، أفلا تعقلون هذه المعاني الواضحة، وتسمعون هذه المواعظ البليغة، التي من شأنها ان تحملكم على التذكر والاعتبار والطاعة التامة لله رب العالمين؟

ثم أضاف سبحانه إلى ما سبق أن وصف به ذاته، صفات أخرى تليق بجلاله، فقال “يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون”.

والمعنى أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يحكم شؤون الدنيا السماوية والأرضية إلى ان تقوم الساعة، وهو الذي يجعلها على تلك الصورة البديعة المتقنة، ثم تصعد إليه تعالى تلك الأعمال المدبرة، في يوم عظيم هو يوم القيامة “كان مقداره ألف سنة مما تعدون” من أيام الدنيا.

عالم الغيب

وقوله عز وجل “ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم” أي ذلك الله الذي اتصف بتلك الصفات الجليلة، وفعل تلك الأفعال المتقنة الحكيمة “عالم الغيب والشهادة” أي عالم كل ما غاب عن الحس، لا يخفى عليه شيء مما ظهر أو بطن “العزيز” الذي لا يغلبه غالب “الرحيم” بعباده.

“الذي أحسن كل شيء خلقه” أي الذي أحكم وأتقن كل شيء خلقه وأوجده في هذا الكون.

والمراد بالإنسان في قوله تعالى “وبدأ خلق الإنسان من طين” آدم عليه السلام، أي خلق أباكم آدم من طين، فصار على أحسن صورة وأبدع شكل “ثم جعل نسله” أي ذريته “من سلالة” أي من خلاصة وأصلها ما يسل ويخلص بالتصفية “من ماء مهين” أي ممتهن لا يهتم بشأنه، ولا يعتني به، والمقصود به مني الرجل.

“ثم سواه” أي هذا المخلوق الذي أوجده من طين أو من ماء مهين، والمراد: ثم عدل خلقه، وسوى شكله، وناسب بين أعضائه، “ونفخ فيه من روحه” أي من قدرته ورحمته التي صار بها الإنسان إنساناً كاملاً، “وجعل لكم” بعد ذلك “السمع” الذي تسمعون به “والأبصار” التي تبصرون بها و”الافئدة” التي تعلقون بها، وتحسون الأشياء بواسطتها.

وقوله: “وقليلاً ما تشكرون”، بيان لموقف بني آدم من هذه النعم المتكاثرة والمتنوعة.