مدونة نظام اون لاين

صفحة 2 من 7 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 6 إلى 10 من 34

الموضوع: غزوة بدر العظمى يوم الفرقان يوم التقى الجمعان

  1. #6
    ... عضو مميز...


    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    334
    معدل تقييم المستوى
    1

    افتراضي .

    وقال الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي - وكان حليفاً لبني زهرة - وهم بالجحفة‏:‏ يا بني زهرة قد نجى الله لكم أموالكم، وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل، وإنما نفرتم لتمنعوه وماله، فاجعلوا بها جبنها وارجعوا فإنه لا حاجة لكم بأن تخرجوا في غير ضيعة لا ما يقول هذا‏.‏

    قال‏:‏ فرجعوا فلم يشهدها زهري واحد، أطاعوه وكان فيهم مطاعاً ولم يكن بقي بطن من قريش إلا وقد نفر منهم ناس إلا بني عدي لم يخرج منهم رجل واحد، فرجعت بنو زهرة مع الأخنس فلم يشهد بدراً من هاتين القبيلتين أحد‏.‏

    قال‏:‏ ومضى القوم وكان بين طالب بن أبي طالب - وكان في القوم - وبين بعض قريش محاورة‏.‏

    فقالوا‏:‏ والله قد عرفنا يا بني هاشم - وإن خرجتم معنا - أن هواكم مع محمد، فرجع طالب إلى مكة مع من رجع، وقال في ذلك‏:‏

    لا هُمَّ إما يغزوَنَّ طالب * في عصبة محالفٍ محارب

    في مقنبٍ من هذا المقانب * فليكن المسلوب غير السالب

    وليكن المغلوب غير الغالب

    قال ابن إسحاق‏:‏ ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي، خلف العقنقل وبطن الوادي وهو يليل، بين بدر وبين العقنقل، الكثيب الذي خلفه قريش، والقليب ببدر في العدوة الدنيا من بطن يليل إلى المدينة‏.‏

    قلت‏:‏ وفي هذا

    قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ‏}‏ أي‏:‏ من ناحية الساحل ‏{‏وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً‏}‏ الآيات ‏[‏الأنفال‏:‏ 42‏]‏‏.‏

    وبعث الله السماء وكان الوادي دهساً، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ماء لبَّد لهم الأرض ولم يمنعهم من السير، وأصاب قريشاً منها ماء لم يقدروا على أن يرتحلوا معه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 3/326‏)‏

    قلت‏:‏ وفي هذا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 11‏]‏‏.‏

    فذكر أنه طهرهم ظاهراً وباطناً، وأنه ثبَّت أقدامهم وشجع قلوبهم وأذهب عنهم تخذيل الشيطان وتخويفه للنفوس ووسوسته الخواطر، وهذا تثبيت الباطن والظاهر وأنزل النصر عليهم من فوقهم في قوله‏:‏ ‏{‏إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 12‏]‏ أي‏:‏ على الرؤوس ‏{‏وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ‏}‏ أي‏:‏ لئلا يستمسك منهم السلاح ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 13‏]‏‏.‏

    قال ابن جرير‏:‏ حدثني هارون بن إسحاق، ثنا مصعب بن المقدام، ثنا إسرائيل، ثنا إسحاق، عن حارثة، عن علي بن أبي طالب‏.‏

    قال‏:‏ أصابنا من الليل طش من المطر - يعني‏:‏ الليلة التي كانت في صبيحتها وقعة بدر - فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها من المطر، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني‏:‏ قائماً يصلي - وحرض على القتال‏.‏

    وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي‏.‏

    قال‏:‏ ما كان فينا فارس يوم بدر إلا المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح، وسيأتي هذا الحديث مطولاً‏.‏

    ورواه النسائي، عن بندار، عن غندر، عن شعبة به‏:‏ وقال مجاهد‏:‏ أنزل عليهم المطر فأطفأ به الغبار وتلبدت به الأرض وطابت به أنفسهم وثبتت به أقدامهم‏.‏

    قلت‏:‏ وكانت ليلة بدر ليلة الجمعة السابعة عشر من شهر رمضان سنة ثنتين من الهجرة، وقد بات رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي إلى جذم شجرة هناك، ويكثر في سجوده أن يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏يا حي يا قيوم‏)‏‏)‏ يكرر ذلك ويلظ به عليه السلام‏.‏

    قال ابن إسحاق‏:‏ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى الماء حتى جاء أدنى ماء من بدر نزل به‏.‏

    قال ابن إسحاق‏:‏ فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن منذر بن الجموح‏.‏

    قال‏:‏ يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة‏؟‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 3 /327‏)‏

    قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بل هو الرأي والحرب والمكيدة‏)‏‏)‏‏.‏

    قال‏:‏ يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل فأمض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون‏.‏

    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لقد أشرت بالرأي‏)‏‏)‏‏.‏

    قال الأموي‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ وزعم الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس‏.‏

    قال‏:‏ بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الأقماص وجبريل عن يمينه إذ أتاه ملك من الملائكة‏.‏

    فقال‏:‏ يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام‏.‏

    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏هو السلام ومنه السلام وإليه السلام‏)‏‏)‏‏.‏

    فقال الملك‏:‏ إن الله يقول لك أن الأمر هو الذي أمرك به الحباب ابن المنذر‏.‏

    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا جبريل هل تعرف هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

    فقال‏:‏ ما كل أهل السماء أعرف وإنه لصادق وما هو بشيطان‏.‏

    فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس فسار حتى أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقلب فعورت، وبنى حوضاً على القليب الذي نزل عليه فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية‏.‏

    وذكر بعضهم‏:‏ أن الحباب بن المنذر لما أشار بما أشار به على رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل ملك من السماء وجبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

    فقال الملك‏:‏ يا محمد ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك إن الرأي ما أشار به الحباب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل‏.‏

    فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ليس كل الملائكة أعرفهم وأنه ملك وليس بشيطان‏)‏‏)‏‏.‏

    وذكر الأموي‏:‏ أنهم نزلوا على القليب الذي يلي المشركين نصف الليل وأنهم نزلوا فيه واستقوا منه وملؤا الحياض حتى أصبحت ملاء وليس للمشركين ماء‏.‏

    قال ابن إسحاق‏:‏ فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث‏:‏ أن سعد ابن معاذ‏.‏

    قال‏:‏ يا نبي الله ألا نبني لك عريشاً تكون فيه ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا، كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى، جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حباً لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم ويناصحونك ويجاهدون معك‏.‏

    فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له بخير، ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش كان فيه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 3/328‏)‏

    قال ابن إسحاق‏:‏ وقد ارتحلت قريش حين أصبحت فأقبلت، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل - وهو الكثيب الذي جاؤا منه إلى الوادي - قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني اللهم أحنهم الغداة‏)‏‏)‏‏.‏

  2. #7
    ... عضو مميز...


    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    334
    معدل تقييم المستوى
    1

    افتراضي .

    {‏وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

    وقد قال‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد رأى عتبة بن ربيعة في القوم وهو على جمل له أحمر- ‏(‏‏(‏إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر‏)‏‏)‏ إن يطيعوه يرشدوا قال‏:‏ وقد كان خفاف بن إيماء بن رحضة أو أبوه إيماء بن رحضة الغفاري، بعث إلى قريش ابنا له بجزائر أهداها لهم‏.‏

    وقال‏:‏ إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا‏.‏

    قال‏:‏ فأرسلوا إليه مع ابنه أن وصلتك رحم، وقد قضيت الذي عليك، فلعمري إن كنا إنما نقاتل الناس ما بنا ضعف عنهم، وإن كنا إنما نقاتل الله، كما يزعم محمد فما لأحد بالله من طاقة‏.‏

    قال‏:‏ فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم حكيم بن حزام‏.‏

    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏دعوهم‏)‏‏)‏، فما شرب منه رجل يومئذٍ إلا قتل، إلا ما كان من حكيم بن حزام فإنه لم يقتل، ثم أسلم بعد ذلك فحسن إسلامه فكان إذا اجتهد في يمينه قال‏:‏ لا والذي نجاني يوم بدر‏.‏

    قلت‏:‏ وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً كما سيأتي بيان ذلك في فصل نعقده بعد الوقعة، ونذكر أسماءهم على حروف المعجم إن شاء الله‏.‏

    ففي ‏(‏صحيح البخاري‏)‏ عن البراء‏.‏

    قال‏:‏ كنا نتحدث أن أصحاب بدر ثلثمائة وبضع عشرة على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، وما جاوزه معه إلا مؤمن‏.‏

    وللبخاري أيضاً عنه‏.‏

    قال‏:‏ استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر وكان المهاجرون يوم بدر نيفاً على ستين، والأنصار نيفاً وأربعون ومائتان‏.‏

    وروى الإمام أحمد عن نصر بن رئاب، عن حجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أنه قال‏:‏ كان أهل بدر ثلثمائة وثلاثة عشر، وكان المهاجرون ستة وسبعين، وكان هزيمة أهل بدر لسبع عشرة مضين من شهر رمضان يوم الجمعة‏.‏

    وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 43‏]‏ الآية‏.‏

    وكان ذلك في منامه تلك الليلة وقيل‏:‏ إنه نام في العريش وأمر الناس أن لا يقاتلوا حتى يأذن لهم، فدنا القوم منهم فجعل الصديق يوقظه ويقول‏:‏ يا رسول الله دنوا منا فاستيقظ، وقد أراه الله إياهم في منامه قليلاً‏.‏

    ذكره الأموي وهو غريب جداً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 3/329‏)‏

    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 44‏]‏‏.‏

    فعند ما تقابل الفريقان قلل الله كلا منهما في أعين الآخرين ليجترئ هؤلاء على هؤلاء، وهؤلاء على هؤلاء لما له في ذلك من الحكمة البالغة، وليس هذا معارض لقوله تعالى في سورة آل عمران‏:‏ ‏{‏قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 13‏]‏‏.‏

    فإن المعنى في ذلك على أصح القولين‏:‏ أن الفرقة الكافرة ترى الفرقة المؤمنة مثلي عدد الكافرة على الصحيح أيضاً، وذلك عند التحام الحرب والمسابقة أوقع الله الوهن والرعب في قلوب الذين كفروا فاستدرجهم أولاً بأن أراهم إياهم عند المواجهة قليلاً، ثم أيد المؤمنين بنصره فجعلهم في أعين الكافرين على الضعف منهم، حتى وهنوا وضعفوا وغلبوا‏.‏

    ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ‏}‏‏.‏

    قال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيد وعبد الله قال‏:‏ لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى أني لأقول لرجل إلى جنبي أتراهم سبعين‏؟‏

    فقال‏:‏ أراهم مائة‏.‏

    قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني أبي إسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم، عن أشياخ من الأنصار قالوا‏:‏ لما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي فقالوا‏:‏ أحزر لنا القوم أصحاب محمد، قال‏:‏ فاستجال بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم‏.‏

    فقال‏:‏ ثلاثمائة رجل يزيدون قليلاً، أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد‏.‏

    قال‏:‏ فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئاً، فرجع إليهم فقال‏:‏ ما رأيت شيئاً، ولكن قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم، حتى يقتل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم يا معشر قريش ‏؟‏

    فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس، فأتى عتبة بن ربيعة فقال‏:‏ يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها، والمطاع فيها، هل لك إلى أن لا تزال تذكر فيها بخير إلى آخر الدهر ‏؟‏

    قال‏:‏ وما ذاك يا حكيم‏؟‏

    قال‏:‏ ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي‏.‏

    قال‏:‏ قد فعلت‏.‏

    أنت عليَّ بذلك، إنما هو حليفي فعليَّ عقله وما أصيب من ماله‏.‏

    فأت ابن الحنطلية - يعني‏:‏ أبا جهل - فإني لا أخشى أن يسجر أمر الناس غيره‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 3/330‏)‏

    ثم قام عتبة خطيباً فقال‏:‏ يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمداً وأصحابه شيئاً، والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر إلى وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه - أو ابن خاله - أو رجلاً من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذلك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون‏.‏

    قال حكيم‏:‏ فانطلقت حتى جئت أبا جهل، فوجدته قد نثل درعاً فهو يهنئها‏.‏

    فقلت له يا أبا الحكم‏:‏ إن عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا‏.‏

    فقال‏:‏ انتفخ والله سحره حين رأى محمداً وأصحابه، فلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكنه رأى محمداً وأصحابه أكلة جزور، وفيهم ابنه فقد تخوفكم عليه، ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي‏.‏

    فقال‏:‏ هذا حليفك يريد أن يرجع الناس، وقد رأيت ثأرك بعينك فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك‏.‏

    فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ‏:‏ واعمراه واعمراه‏.‏

    قال‏:‏ فحميت الحرب وحقب أمر الناس واستوثقوا على ما هم عليه من الشر وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة‏.‏

    فلما بلغ عتبة قول أبي جهل انتفخ والله سحره‏.‏

    قال‏:‏ سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره أنا أم هو‏.‏

    ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه فما وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم رأسه فلما رأى ذلك اعتجر على رأسه ببرد له‏.‏

    وقد روى ابن جرير‏:‏ من طريق مسور بن عبد الملك اليربوعي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب‏.‏

    قال‏:‏ بينا نحن عند مروان بن الحكم إذ دخل حاجبه فقال‏:‏ حكيم بن حزام يستأذن، قال‏:‏ ائذن له‏.‏

    فلما دخل قال‏:‏ مرحباً يا أبا خالد أدن، فحال عن صدر المجلس حتى جلس بينه وبين الوسادة، ثم استقبله‏.‏

    فقال‏:‏ حدثنا حديث بدر‏.‏

    فقال‏:‏ خرجنا حتى إذا كنا بالجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها فلم يشهد أحد من مشركيهم بدراً، ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة التي قال الله تعالى، فجئت عتبة بن ربيعة‏.‏

    فقلت‏:‏ يا أبا الوليد هل لك في أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت‏؟‏

    قال‏:‏ أفعل ماذا‏؟‏

    قلت‏:‏ إنكم لا تطلبون من محمد إلا دم ابن الحضرمي وهو حليفك، فتحمل بديته ويرجع الناس‏.‏

    فقال‏:‏ أنت علي بذلك وأذهب إلى ابن الحنظلية - يعني أبا جهل - فقل له‏:‏ هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك‏؟‏

    فجئته فإذا هو في جماعة من بين يديه ومن خلفه، وإذا ابن الحضرمي واقف على رأسه وهو يقول‏:‏ فسخت عقدي من عبد شمس، وعقدي اليوم إلى بني مخزوم‏.‏

    فقلت له‏:‏ يقول لك عتبة بن ربيعة هل لك أن ترجع اليوم بمن معك‏؟‏

    قال‏:‏ أما وجد رسولاً غيرك‏؟‏

    قلت‏:‏ لا، ولم أكن لأكون رسولاً لغيره‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 3/331‏)‏

    قال حكيم‏:‏ فخرجت مبادراً إلى عتبة لئلا يفوتني من الخبر شيء وعتبة متكئ على إيماء بن رحضة الغفاري، وقد أهدى إلى المشركين عشرة جزائر، فطلع أبو جهل الشر في وجهه‏.‏

    فقال لعتبة‏:‏ انتفخ سحرك ‏؟‏

    فقال له عتبة‏:‏ ستعلم‏.‏

    فسلَّ أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه، فقال إيماء بن رحضة‏:‏ بئس الفأل هذا، فعند ذلك قامت الحرب‏.‏

    وقد صف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وعباهم أحسن تعبية، فروى الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف‏.‏

    قال‏:‏ صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ليلاً‏.‏

    وروى الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة، حدثني يزيد بن أبي حبيب أن أسلم أبا عمران حدثه أنه سمع أبا أيوب يقول‏:‏ صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فبدرت منا بادرة أمام الصف، فنظر إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏معي معي‏)‏‏)‏‏.‏

    تفرد به أحمد وهذا إسناد حسن‏.‏

    وقال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل به القوم، فمرَّ بسواد بن غزية حليف بني عدي ابن النجار وهو مستنتل من الصف، فطعن في بطنه بالقدح وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏استو يا سواد‏)‏‏)‏‏.‏

    فقال‏:‏ يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل، فأقدني فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه‏.‏

    فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏استقد‏)‏‏)‏‏.‏

    قال‏:‏ فاعتنقه فقبل بطنه‏.‏

    فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما حملك على هذا يا سواد‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

    قال‏:‏ يا رسول الله، حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقاله‏.‏

    قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عوف بن الحارث - وهو ابن عفراء - قال‏:‏ يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده‏؟‏

    قال‏:‏ ‏(‏‏(‏غمسه يده في العدو حاسراً‏)‏‏)‏‏.‏

    فنزع درعاً كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل رضي الله عنه‏.‏

    قال ابن إسحاق‏:‏ ثم عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ورجع إلى العريش فدخله ومعه أبو بكر ليس معه فيه غيره‏.‏

    وقال ابن إسحاق‏:‏ وغيره وكان سعد بن معاذ رضي الله عنه واقفاً على باب العريش متقلداً بالسيف، ومعه رجال من الأنصار يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفاً عليه من أن يدهمه العدو من المشركين والجنائب النجائب، مهيأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن احتاج إليها ركبها ورجع إلى المدينة كما أشار به سعد بن معاذ‏.‏

  3. #8
    ... عضو مميز...


    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    334
    معدل تقييم المستوى
    1

    افتراضي .

    {‏وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

    وقد قال‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد رأى عتبة بن ربيعة في القوم وهو على جمل له أحمر- ‏(‏‏(‏إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر‏)‏‏)‏ إن يطيعوه يرشدوا قال‏:‏ وقد كان خفاف بن إيماء بن رحضة أو أبوه إيماء بن رحضة الغفاري، بعث إلى قريش ابنا له بجزائر أهداها لهم‏.‏

    وقال‏:‏ إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا‏.‏

    قال‏:‏ فأرسلوا إليه مع ابنه أن وصلتك رحم، وقد قضيت الذي عليك، فلعمري إن كنا إنما نقاتل الناس ما بنا ضعف عنهم، وإن كنا إنما نقاتل الله، كما يزعم محمد فما لأحد بالله من طاقة‏.‏

    قال‏:‏ فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم حكيم بن حزام‏.‏

    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏دعوهم‏)‏‏)‏، فما شرب منه رجل يومئذٍ إلا قتل، إلا ما كان من حكيم بن حزام فإنه لم يقتل، ثم أسلم بعد ذلك فحسن إسلامه فكان إذا اجتهد في يمينه قال‏:‏ لا والذي نجاني يوم بدر‏.‏

    قلت‏:‏ وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً كما سيأتي بيان ذلك في فصل نعقده بعد الوقعة، ونذكر أسماءهم على حروف المعجم إن شاء الله‏.‏

    ففي ‏(‏صحيح البخاري‏)‏ عن البراء‏.‏

    قال‏:‏ كنا نتحدث أن أصحاب بدر ثلثمائة وبضع عشرة على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، وما جاوزه معه إلا مؤمن‏.‏

    وللبخاري أيضاً عنه‏.‏

    قال‏:‏ استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر وكان المهاجرون يوم بدر نيفاً على ستين، والأنصار نيفاً وأربعون ومائتان‏.‏

    وروى الإمام أحمد عن نصر بن رئاب، عن حجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أنه قال‏:‏ كان أهل بدر ثلثمائة وثلاثة عشر، وكان المهاجرون ستة وسبعين، وكان هزيمة أهل بدر لسبع عشرة مضين من شهر رمضان يوم الجمعة‏.‏

    وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 43‏]‏ الآية‏.‏

    وكان ذلك في منامه تلك الليلة وقيل‏:‏ إنه نام في العريش وأمر الناس أن لا يقاتلوا حتى يأذن لهم، فدنا القوم منهم فجعل الصديق يوقظه ويقول‏:‏ يا رسول الله دنوا منا فاستيقظ، وقد أراه الله إياهم في منامه قليلاً‏.‏

    ذكره الأموي وهو غريب جداً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 3/329‏)‏

    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 44‏]‏‏.‏

    فعند ما تقابل الفريقان قلل الله كلا منهما في أعين الآخرين ليجترئ هؤلاء على هؤلاء، وهؤلاء على هؤلاء لما له في ذلك من الحكمة البالغة، وليس هذا معارض لقوله تعالى في سورة آل عمران‏:‏ ‏{‏قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 13‏]‏‏.‏

    فإن المعنى في ذلك على أصح القولين‏:‏ أن الفرقة الكافرة ترى الفرقة المؤمنة مثلي عدد الكافرة على الصحيح أيضاً، وذلك عند التحام الحرب والمسابقة أوقع الله الوهن والرعب في قلوب الذين كفروا فاستدرجهم أولاً بأن أراهم إياهم عند المواجهة قليلاً، ثم أيد المؤمنين بنصره فجعلهم في أعين الكافرين على الضعف منهم، حتى وهنوا وضعفوا وغلبوا‏.‏

    ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ‏}‏‏.‏

    قال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيد وعبد الله قال‏:‏ لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى أني لأقول لرجل إلى جنبي أتراهم سبعين‏؟‏

    فقال‏:‏ أراهم مائة‏.‏

    قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني أبي إسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم، عن أشياخ من الأنصار قالوا‏:‏ لما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي فقالوا‏:‏ أحزر لنا القوم أصحاب محمد، قال‏:‏ فاستجال بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم‏.‏

    فقال‏:‏ ثلاثمائة رجل يزيدون قليلاً، أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد‏.‏

    قال‏:‏ فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئاً، فرجع إليهم فقال‏:‏ ما رأيت شيئاً، ولكن قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم، حتى يقتل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم يا معشر قريش ‏؟‏

    فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس، فأتى عتبة بن ربيعة فقال‏:‏ يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها، والمطاع فيها، هل لك إلى أن لا تزال تذكر فيها بخير إلى آخر الدهر ‏؟‏

    قال‏:‏ وما ذاك يا حكيم‏؟‏

    قال‏:‏ ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي‏.‏

    قال‏:‏ قد فعلت‏.‏

    أنت عليَّ بذلك، إنما هو حليفي فعليَّ عقله وما أصيب من ماله‏.‏

    فأت ابن الحنطلية - يعني‏:‏ أبا جهل - فإني لا أخشى أن يسجر أمر الناس غيره‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 3/330‏)‏

    ثم قام عتبة خطيباً فقال‏:‏ يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمداً وأصحابه شيئاً، والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر إلى وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه - أو ابن خاله - أو رجلاً من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذلك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون‏.‏

    قال حكيم‏:‏ فانطلقت حتى جئت أبا جهل، فوجدته قد نثل درعاً فهو يهنئها‏.‏

    فقلت له يا أبا الحكم‏:‏ إن عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا‏.‏

    فقال‏:‏ انتفخ والله سحره حين رأى محمداً وأصحابه، فلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكنه رأى محمداً وأصحابه أكلة جزور، وفيهم ابنه فقد تخوفكم عليه، ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي‏.‏

    فقال‏:‏ هذا حليفك يريد أن يرجع الناس، وقد رأيت ثأرك بعينك فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك‏.‏

    فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ‏:‏ واعمراه واعمراه‏.‏

    قال‏:‏ فحميت الحرب وحقب أمر الناس واستوثقوا على ما هم عليه من الشر وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة‏.‏

    فلما بلغ عتبة قول أبي جهل انتفخ والله سحره‏.‏

    قال‏:‏ سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره أنا أم هو‏.‏

    ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه فما وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم رأسه فلما رأى ذلك اعتجر على رأسه ببرد له‏.‏

    وقد روى ابن جرير‏:‏ من طريق مسور بن عبد الملك اليربوعي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب‏.‏

    قال‏:‏ بينا نحن عند مروان بن الحكم إذ دخل حاجبه فقال‏:‏ حكيم بن حزام يستأذن، قال‏:‏ ائذن له‏.‏

    فلما دخل قال‏:‏ مرحباً يا أبا خالد أدن، فحال عن صدر المجلس حتى جلس بينه وبين الوسادة، ثم استقبله‏.‏

    فقال‏:‏ حدثنا حديث بدر‏.‏

    فقال‏:‏ خرجنا حتى إذا كنا بالجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها فلم يشهد أحد من مشركيهم بدراً، ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة التي قال الله تعالى، فجئت عتبة بن ربيعة‏.‏

    فقلت‏:‏ يا أبا الوليد هل لك في أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت‏؟‏

    قال‏:‏ أفعل ماذا‏؟‏

    قلت‏:‏ إنكم لا تطلبون من محمد إلا دم ابن الحضرمي وهو حليفك، فتحمل بديته ويرجع الناس‏.‏

    فقال‏:‏ أنت علي بذلك وأذهب إلى ابن الحنظلية - يعني أبا جهل - فقل له‏:‏ هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك‏؟‏

  4. #9
    ... عضو مميز...


    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    334
    معدل تقييم المستوى
    1

    افتراضي .

    فجئته فإذا هو في جماعة من بين يديه ومن خلفه، وإذا ابن الحضرمي واقف على رأسه وهو يقول‏:‏ فسخت عقدي من عبد شمس، وعقدي اليوم إلى بني مخزوم‏.‏

    فقلت له‏:‏ يقول لك عتبة بن ربيعة هل لك أن ترجع اليوم بمن معك‏؟‏

    قال‏:‏ أما وجد رسولاً غيرك‏؟‏

    قلت‏:‏ لا، ولم أكن لأكون رسولاً لغيره‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 3/331‏)‏

    قال حكيم‏:‏ فخرجت مبادراً إلى عتبة لئلا يفوتني من الخبر شيء وعتبة متكئ على إيماء بن رحضة الغفاري، وقد أهدى إلى المشركين عشرة جزائر، فطلع أبو جهل الشر في وجهه‏.‏

    فقال لعتبة‏:‏ انتفخ سحرك ‏؟‏

    فقال له عتبة‏:‏ ستعلم‏.‏

    فسلَّ أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه، فقال إيماء بن رحضة‏:‏ بئس الفأل هذا، فعند ذلك قامت الحرب‏.‏

    وقد صف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وعباهم أحسن تعبية، فروى الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف‏.‏

    قال‏:‏ صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ليلاً‏.‏

    وروى الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة، حدثني يزيد بن أبي حبيب أن أسلم أبا عمران حدثه أنه سمع أبا أيوب يقول‏:‏ صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فبدرت منا بادرة أمام الصف، فنظر إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏معي معي‏)‏‏)‏‏.‏

    تفرد به أحمد وهذا إسناد حسن‏.‏

    وقال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل به القوم، فمرَّ بسواد بن غزية حليف بني عدي ابن النجار وهو مستنتل من الصف، فطعن في بطنه بالقدح وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏استو يا سواد‏)‏‏)‏‏.‏

    فقال‏:‏ يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل، فأقدني فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه‏.‏

    فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏استقد‏)‏‏)‏‏.‏

    قال‏:‏ فاعتنقه فقبل بطنه‏.‏

    فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما حملك على هذا يا سواد‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

    قال‏:‏ يا رسول الله، حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقاله‏.‏

    قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عوف بن الحارث - وهو ابن عفراء - قال‏:‏ يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده‏؟‏

    قال‏:‏ ‏(‏‏(‏غمسه يده في العدو حاسراً‏)‏‏)‏‏.‏

    فنزع درعاً كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل رضي الله عنه‏.‏

    قال ابن إسحاق‏:‏ ثم عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ورجع إلى العريش فدخله ومعه أبو بكر ليس معه فيه غيره‏.‏

    وقال ابن إسحاق‏:‏ وغيره وكان سعد بن معاذ رضي الله عنه واقفاً على باب العريش متقلداً بالسيف، ومعه رجال من الأنصار يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفاً عليه من أن يدهمه العدو من المشركين والجنائب النجائب، مهيأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن احتاج إليها ركبها ورجع إلى المدينة كما أشار به سعد بن معاذ‏.‏
    وقد روى البزار في ‏(‏مسنده‏)‏ من حديث محمد بن عقيل عن علي أنه خطبهم‏.‏

    فقال‏:‏ يا أيها الناس من أشجع الناس‏؟‏

    فقالوا‏:‏ أنت يا أمير المؤمنين‏.‏

    فقال‏:‏ أما إني ما بارزني أحد إلا انتصفت منه، ولكن هو أبو بكر، إنا جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً فقلنا من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوي إليه أحد من المشركين، فوالله ما دنا أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوي إليه أحد إلا أهوى إليه فهذا أشجع الناس‏.‏

    قال‏:‏ ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش فهذا يحاده، وهذا يتلتله ويقولون‏:‏ أنت جعلت الآلهة إلهاً واحداً، فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب ويجاهد ويتلتل هذا، وهو يقول‏:‏ ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 3 /332‏)‏

    ثم رفع علي بردة كانت عليه فبكى حتى أخضلت لحيته‏.‏

    ثم قال‏:‏ أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم هو‏؟‏

    فسكت القوم، فقال علي‏:‏ فوالله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه‏.‏

    ثم قال البزار‏:‏ لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه‏.‏

    فهذه خصوصية للصديق حيث هو مع الرسول في العريش كما كان معه في الغار رضي الله عنه وأرضاه‏.‏

    ورسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الابتهال والتضرع والدعاء ويقول فيما يدعو به‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض‏)‏‏)‏ وجعل يهتف بربه عز وجل‏.‏

    ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم نصرك‏)‏‏)‏ ويرفع يديه إلى السماء حتى سقط الرداء عن منكبيه‏.‏

    وجعل أبو بكر رضي الله عنه يلتزمه من ورائه ويسوي عليه رداءه ويقول مشفقاً عليه من كثرة الابتهال‏:‏ يا رسول الله بعض مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك‏.‏

    هكذا حكى السهيلي عن قاسم بن ثابت‏:‏ أن الصديق إنما قال بعض مناشدتك ربك من باب الإشفاق لما رأى من نصبه في الدعاء والتضرع حتى سقط الرداء عن منكبيه فقال‏:‏ بعض هذا يا رسول الله أي‏:‏ لم تتعب نفسك هذا التعب والله قد وعدك بالنصر‏.‏
    وكان رضي الله عنه رقيق القلب شديد الإشفاق على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

    وحكى السهيلي عن شيخه أبي بكر بن العربي بأنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام الخوف والصديق في مقام الرجاء وكان مقام الخوف في هذا الوقت - يعني‏:‏ أكمل - قال‏:‏ لأن لله أن يفعل ما يشاء فخاف أن لا يعبد في الأرض بعدها، فخوفه ذلك عبادة‏.‏

    قلت‏:‏ وأما قول بعض الصوفية إن هذا المقام في مقابلة ما كان يوم الغار فهو قول مردود على قائله إذ لم يتذكر هذا القائل عور ما قال، ولا لازمه ولا ما يترتب عليه والله أعلم‏.‏

    هذا وقد تواجه الفئتان وتقابل الفريقان، وحضر الخصمان بين يدي الرحمن، واستغاث بربه سيد الأنبياء، وضج الصحابة بصنوف الدعاء إلى رب الأرض والسماء سامع الدعاء وكاشف البلاء، فكان أول من قتل من المشركين الأسود بن عبد الأسد المخزومي‏.‏

    قال ابن إسحاق‏:‏ وكان رجلاً شرساً سيء الخلق فقال‏:‏ أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه‏.‏

    فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فاطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دماً نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد - زعم - أن تبر يمينه واتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض‏.‏

  5. #10
    ... عضو مميز...


    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    334
    معدل تقييم المستوى
    1

    افتراضي .

    قال الأموي‏:‏ فحمى عند ذلك عتبة بن ربيعة وأراد أن يظهر شجاعته، فبرز بين أخيه شيبة وابنه الوليد، فلما توسطوا بين الصفين دعوا إلى البراز فخرج إليهم فتية من الأنصار ثلاثة هم‏:‏ عوف ومعاذ ابنا الحارث، وأمهما عفراء، والثالث عبد الله بن رواحة - فيما قيل -‏.‏

    فقالوا‏:‏ من أنتم‏؟‏

    قالوا‏:‏ رهط من الأنصار‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 3/333‏)‏

    فقالوا‏:‏ ما لنا بكم من حاجة‏.‏

    وفي رواية فقالوا‏:‏ أكفاء كرام ولكن أخرجوا إلينا من بني عمنا، ونادى مناديهم‏:‏ يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا‏.‏

    فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي‏)‏‏)‏‏.‏

    وعند الأموي أن النفر من الأنصار لما خرجوا كره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أول موقف واجه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أعداءه فأحب أن يكون أولئك من عشيرته فأمرهم بالرجوع وأمر أولئك الثلاثة بالخروج‏.‏

    قال ابن إسحاق‏:‏ فلما دنوا منهم‏.‏

    قالوا‏:‏ من أنتم‏؟‏ - وفي هذا دليل أنهم كانوا ملبسين لا يعرفون من السلاح -‏.‏

    فقال عبيدة‏:‏ عبيدة‏.‏

    وقال حمزة‏:‏ حمزة‏.‏

    وقال علي‏:‏ علي‏.‏

    قالوا‏:‏ نعم ‏!‏‏!‏ أكفاء كرام‏.‏

    فبارز عبيدة وكان أسن القوم، عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة‏.‏

    فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما أثبت صاحبه، وكرَّ حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه، واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابهما رضي الله عنه‏.‏

    وقد ثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏‏:‏ من حديث أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن أبي ذر‏:‏ أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية‏:‏ ‏{‏هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 19‏]‏ نزلت في حمزة وصاحبه، وعتبة وصاحبه يوم برزوا في بدر‏.‏

    هذا لفظ البخاري في تفسيرها‏.‏

    وقال البخاري‏:‏ حدثنا حجاج بن منهال حدثنا المعتمر بن سليمان سمعت أبي، ثنا أبو مجلز، عن قيس بن عباد، عن علي بن أبي طالب‏.‏

    أنه قال‏:‏ أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن عز وجل في الخصومة يوم القيامة‏.‏

    قال قيس‏:‏ وفيهم نزلت‏:‏ ‏{‏هذان خصمان اختصموا في ربهم‏}‏ قال هم الذين بارزوا يوم بدر علي، وحمزة، وعبيدة، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، تفرد به البخاري‏.‏

    وقد أوسعنا الكلام عليها في التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة‏.‏

    وقال الأموي‏:‏ حدثنا معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق، عن ابن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله البهي‏.‏

    قال‏:‏ برز عتبة، وشيبة، والوليد، وبرز إليهم حمزة، وعبيدة، وعلي‏.‏

    فقالوا‏:‏ تكلموا نعرفكم‏.‏

    فقال حمزة‏:‏ أنا أسد الله وأسد رسول الله أنا حمزة بن عبد المطلب‏.‏

    فقال‏:‏ كفؤ كريم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 3/334‏)‏

    وقال علي‏:‏ أنا عبد الله وأخو رسول الله‏.‏

    وقال عبيدة‏:‏ أنا الذي في الحلفاء‏.‏

    فقام كل رجل إلى رجل فقاتلوهم فقتلهم الله‏.‏

    فقالت هند في ذلك‏:‏

    أعيني جودي بدمع سرب * على خير خندف لم ينقلب

    تداعى له رهطه غدوة * بنو هاشم وبنو المطلب

    يذيقونه حد أسيافهم * يعلونه بعد ما قد عطب

    ولهذا نذرت هند أن تأكل من كبد حمزة‏.‏

    قلت‏:‏ وعبيدة هذا هو ابن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، ولما جاؤا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجعوه إلى جانب موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه، فوضع خده على قدمه الشريفة وقال يا رسول الله‏:‏ لو رآني أبو طالب لعلم أني أحق بقوله‏:‏

    ونسلمه حتى نصرع دونه * ونذهل عن أبنائنا والحلائل

    ثم مات رضي الله عنه‏.‏

    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أشهد أنك شهيد‏)‏‏)‏ رواه الشافعي رحمه الله‏.‏

    وكان أول قتيل من المسلمين في المعركة‏:‏ مهجع مولى عمر بن الخطاب رمي بسهم فقتله‏.‏

    قال ابن إسحاق‏:‏ فكان أول من قتل، ثم رمي بعده حارثة بن سراقة أحد بني عدي بن النجار وهو يشرب من الحوض بسهم فأصاب نحره فمات‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 3/335‏)‏

    وثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏ عن أنس أن حارثة بن سراقة قتل يوم بدر وكان في النظارة أصابه سهم غرب فقتله، فجاءت أمه فقالت يا رسول الله‏:‏ أخبرني عن حارثة فإن كان في الجنة صبرت وإلا فليرين الله ما أصنع - يعني‏:‏ من النياح - وكانت لم تحرم بعد‏.‏

    فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ويحك أهبلت، إنها جنان ثمان وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى‏)‏‏)‏‏.‏

    قال ابن إسحاق‏:‏ ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض‏.‏

    وقال‏:‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم‏.‏

    وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل‏)‏‏)‏‏.‏

    وفي ‏(‏صحيح البخاري‏)‏ عن أبي أسيد‏.‏

    قال‏:‏ قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا أكثبوكم - يعني‏:‏ المشركين - فارموهم واستبقوا نبلكم‏)‏‏)‏‏.‏

    وقال البيهقي، أخبرنا الحاكم، أخبرنا الأصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن أبي إسحاق، حدثني عبد الله بن الزبير‏.‏

    قال‏:‏ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعار المهاجرين يوم بدر‏:‏ يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج‏:‏ يا بني عبد الله، وشعار الأوس‏:‏ يا بني عبيد الله، وسمى خيله‏:‏ خيل الله‏.‏

    وقال ابن هشام‏:‏ وكان شعار الصحابة يوم بدر‏:‏ أحد أحد‏.‏

    قال ابن إسحاق‏:‏ ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش معه أبو بكر رضي الله عنه - يعني‏:‏ وهو يستغيث الله عز وجل - كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 9-10‏]‏‏.‏

    قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو نوح قراد، ثنا عكرمة بن عمار، ثنا سماك الحنفي أبو زميل، حدثني ابن عباس، حدثني عمر بن الخطاب‏.‏

    قال‏:‏ لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة وعليه رداؤه وإزاره ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد بعد في الأرض أبداً‏)‏‏)‏‏.‏

    فما زال يستغيث بربه ويدعوه حتى سقط رداؤه‏.‏

    فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرده، ثم التزمه من ورائه ثم قال يا رسول الله‏:‏ كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله‏:‏ ‏{‏إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين‏}‏ وذكر تمام الحديث كما سيأتي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 3/336‏)‏

    وقد رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير وغيرهم من حديث عكرمة بن عمار اليماني وصححه علي ابن المديني والترمذي، وهكذا قال غير واحد عن ابن عباس والسدي وابن جرير وغيرهم أن هذه الآية نزلت في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وقد ذكر الأموي وغيره أن المسلمين عجوا إلى الله عز وجل في الاستغاثة بجنابه والاستعانة به وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏بألف من الملائكة مردفين‏}‏ أي‏:‏ ردفاً لكم ومدداً لفئتكم رواه العوفي عن ابن عباس‏.‏

    وقاله مجاهد وابن كثير، وعبد الرحمن ابن زيد وغيرهم‏.‏

    وقال أبو كدينة، عن قابوس، عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏مردفين‏}‏ وراء كل ملك ملك‏.‏

    وفي رواية عنه بهذا الإسناد‏:‏ ‏{‏مردفين‏}‏ بعضهم على أثر بعض وكذا قال أبو ظبيان والضحاك وقتادة‏.‏

    وقد روى علي بن أبي طلحة الوالبي، عن ابن عباس قال‏:‏ وأمد الله نبيه والمؤمنين بألف من الملائكة، وكان جبريل في خمسمائة مجنبة، وميكائيل في خمسمائة مجنبة، وهذا هو المشهور‏.‏

    ولكن قال ابن جرير‏:‏ حدثني المثنى، حدثنا إسحاق، ثنا يعقوب بن محمد الزهري، حدثني عبد العزيز بن عمران، عن الربعي، عن أبي الحويرث، عن محمد بن جبير، عن علي‏.‏

    قال‏:‏ نزل جبريل في ألف من الملائكة على ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيهما أبو بكر، ونزل ميكائيل في ألف من الملائكة على ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الميسرة‏.‏

    ورواه البيهقي في ‏(‏الدلائل‏)‏ من حديث محمد بن جبير عن علي فزاد‏:‏ ونزل إسرافيل في ألف من الملائكة، وذكر أنه طعن يومئذٍ بالحربة حتى أختضبت إبطه من الدماء، فذكر أنه نزلت ثلاثة آلاف من الملائكة، وهذا غريب وفي إسناده ضعف ولو صح لكان فيه تقوية لما تقدم من الأقوال ويؤيدها قراءة من قرأ‏:‏ ‏{‏بألف من الملائكة مردفين‏}‏ بفتح الدال والله أعلم‏.‏

    وقال البيهقي‏:‏ أخبرنا الحاكم، أخبرنا الأصم، ثنا محمد بن سنان القزاز، ثنا عبيد الله بن عبد المجيد أبو علي الحنفي، حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، أخبرني إسماعيل بن عوف بن عبد الله بن أبي رافع، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏.‏

    قال‏:‏ لما كان يوم بدر قاتلت شيئاً من قتال، ثم جئت مسرعاً لأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل‏.‏

    قال‏:‏ فجئت فإذا هو ساجد يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم‏)‏‏)‏‏.‏

    لا يزيد عليها فرجعت إلى القتال، ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك أيضاً، فذهبت إلى القتال، ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك أيضاً، حتى فتح الله على يده‏.‏

    وقد رواه النسائي في ‏(‏اليوم والليلة‏)‏ عن بندار، عن عبيد الله بن عبد المجيد أبي علي الحنفي‏.‏

    وقال الأعمش‏:‏ عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله ابن مسعود‏.‏

    قال‏:‏ ما سمعت مناشداً ينشد حقاً له أشد من مناشدة محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر‏.‏

    ‏(‏ج/ص‏:‏ 3/337‏

المواضيع المتشابهه

  1. التقى الخصمين !!
    بواسطة معطي الدنيا اقنور في المنتدى قصائد وخواطر
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 01-10-2007, 03:56 AM
  2. وشلون .. التقي .. فيك .. واخذ .. وعد ..؟؟؟
    بواسطة الإنسكاب في المنتدى قصائد وخواطر
    مشاركات: 24
    آخر مشاركة: 29-03-2007, 06:05 PM
  3. غزوة بدر الآخرة
    بواسطة حبيبتي حطمتني في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 15-03-2007, 09:59 PM
  4. عصوة جديده؟
    بواسطة ضحكة الم في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 02-12-2006, 09:56 PM
  5. قرآن جديد يوزع في الكويت إسمه الفرقان الحق..لعنهم الله
    بواسطة *&الهنوف&* في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 16-06-2005, 02:56 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •