جامع السيد هاشم في غزة عراقة تعري الزيف الصهيوني
كغيره من الجوامع الأثرية في فلسطين لا يزال “جامع السيد هاشم” قائماً يحكي تاريخاً يمتد لمئات السنين، ليثبت مع شواهد أخرى كثيرة عروبة هذه الأرض، وقدسيتها بالنسبة للمسلمين في أنحاء العالم، وهو ما يجدد الأمل في النفوس رغم المحاولات الخبيثة من الاحتلال “الإسرائيلي” لمحو الآثار العربية والإسلامية، والتأسيس لتاريخ “مزيف” لن يدوم طويلاً.
جامع السيد هاشم، هو أهم الآثار العربية الإسلامية في غزة، وربما في فلسطين كلها، ومنه استمدت مدينة غزة اسمها المعروف ب”غزة هاشم”، وازدادت اهمية هذا الجامع كونه يقع في حي الدرج “التاريخي”، وهو أحد أهم أحياء غزة القديمة، التي تضم إلى جانب هذا الجامع عشرات المباني الأثرية الأخرى من تكايا وزوايا ومساجد، وكنائس أيضاً. وفضلاً عن وقوعه في الحي المذكور، فإن الجامع يحتل موقعاً مميزاً، حيث يطل على الحافة العالية الغربية لتله غزة القديمة، وعلى مقربة مما كان يعرف ب”باب عسقلان القديم”.
ووفقاً لاجماع المؤرخين، فإن السيد هاشم جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كان يزور غزة مرتين في كل عام، في رحلتين خاصتين بالتجارة، ورد ذكرهما في القرآن الكريم، ب”رحلتي الشتاء والصيف”، وبحسب ما أوردته كتب التاريخ، فإن السيد هاشم هو أول من سن هاتين الرحلتين، حيث كانت المدينة سوقا تجارية نشطة يقصدها تجار الجزيرة العربية قبل الاسلام، وفي آخر رحلة صيفية له وافته المنية في المدينة، ودفن فيها.
ويقول المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض، إن السيد هاشم عندما وافته المنية، تم دفنه في مغارة بالقرب من سور المدينة من الجهة الشمالية الغربية، وبعد ذلك اصبح الناس يدفنون موتاهم حوله حتى نشأت مقبرة كبيرة، لكن آثارها اختفت بفعل الأزمات والحروب المتتالية على فلسطين، ومع هذا ظل الناس على علم بموضع المغارة التي دفن فيها، وفي القرن الثاني عشر الهجري تم بناء سور حول المغارة وبنيت فوقه قبة يؤمها الناس للزيارة، وفي القرن الثالث عشر الهجري وبالتحديد سنة 1267 ه الموافق لعام 1850 ميلادي، تم تجديد بناء الضريح وبنيت فوقه مقصورة عظيمة بقبة شامخة في الزاوية الشمالية الغربية تستند إلى غرفة مثمنة (ثمانية الأضلاع) بها شبابيك صغيرة وبداخلها محراب ومنبر، ويعلوها مئذنة شيدت على قاعدة مربعة، يعلوها بدن مثمن به فتحات معقودة مستديرة على الطراز المملوكي، فوقها شرفة المؤذن المستديرة المعروشة، ويعلوها أيضا بدن أصغر حجما ومثمن ثم مجموعة من الكرات النحاسية يعلوها هلال.
إعادة بناء المئذنة
ووفقاً للمبيض، الذي كان أول مؤرخ فلسطيني يبحث في تاريخ المساجد والتكايا والزوايا الأثرية في قطاع غزة، فإن مئذنة جامع السيد هاشم أزيلت في عام 1323 هجري لظهور اعوجاج بها وما لبث ان اعيد بناؤها مرة أخرى وبني على مقربة منها بيت آخر للصلاة في الجهة القبلية وصدر في العام نفسه إذن سلطاني بأداء صلاة الجمعة في الجامع، وشيد الرواق الشمالي الذي يتألف من إيوان فوقه خمس قباب كبيرة بها خمس غرف، وفوقها خمس قباب بحيث ينتهي في الجهة الجنوبية منه بغرفة تعلوها قبة كبيرة ترتكز إلى رقبة بها شبابيك ليبدو الجامع مربع الشكل يقع في زاويته الغربية ضريح جد الرسول صلى الله عليه وسلم، ووسطه ساحة سماوية تقدر مساحتها بنحو 2371 مترا مربعا وتستند جميع أروقته على أعمدة رخامية عليها تيجان مزخرفة، ونقش على أحد الشبابيك بيتان من الشعر للشاعر الحسيني، يمتدح فيهما الجامع ويقول:
محاسن هذا الجامع جامع السنا
تجلت به إذ حله نور هاشم
محل به الأنوار تبدو لمن بدا
بجد الذي أبدى سناء العوالم
وقد جلبت جميع حجارة جامع السيد هاشم، وفقاً لكثير من المؤرخين، من حجارة وأعمدة بيمارستان غزة المندثر، ويقول المؤرخ المبيض، في كتابه “البنايات الأثرية الإسلامية في غزة وقطاعها”، انه تم العثور على حجر لأحد البنايات المملوكية المندثرة وهو بمثابة حجر تأسيسي استخدم في بناء سلم المئذنة وقد نقش عليه كتابة يظهر منها “جنات تجري من تحتها الأنهار...” ثم رنك دائري، كما نقلت الى الجامع بعض الأعمدة الرخامية من ميناء غزة البحري القديم.
قنابل الحلفاء
ويرجع المؤرخون الفضل في بناء جامع السيد هاشم، إلى مفتي غزة المرحوم الحاج أحمد محيي الدين عبد الحي الحسيني، عندما طلب من السلطان عبد المجيد خان العون في بنائه فسارع السلطان الى تلبية النداء وأرسل له مائة وخمسين ألف قرش من الخزانة الأميرية، كما ساعده أغنياء ووجهاء مدينة غزة، ثم جعلت له كتيبة كبيرة وجمعت فيها مكتبة أكثرها من الكتب النفيسة، واستخدمت غرف هذا الجامع كمدرسة قبل الحرب العالمية الأولى وكمأوى للغرباء وفي أثناء الحرب العالمية الثانية قامت قوات الحلفاء بضرب الجامع بقنابلها فأصابته بأضرار بليغة ودمر معظم إيواناته وغرفه كما دمرت مكتبته بما فيها من كتب قيمة ومخطوطات، ولم يسلم من الجامع بفعل الحرب سوى غرفة ضريح جد الرسول صلى الله عليه وسلم والمئذنة، ثم قام المجلس الاسلامي الأعلى بإعادة بناء الجامع وأنشأ فيه مدرسة لطلبه العلم، ثم ألغيت وبقيت مدرسة للعجزة وتدريس تجويد القرآن الكريم.
ولا يزال جامع السيد هاشم يحتفظ برواده من المصلين الذين يؤمونه من مختلف احياء مدينة غزة، خصوصاً من حي الدرج المجاور، رغم كثرة المساجد في المدينة، التي تميزها التصاميم الهندسية الحديثة.
مواقع النشر (المفضلة)