تبارك الله أحسن الخالقين
“الثعابين”.. عالم عجيب غريب، مخيف لكثير من الناس، فمجرد ذكرها يولد حالة من الذعر بين السامعين، وفي حقيقة الأمر أن الثعابين السامة وهي التي أعطت للثعابين هذه السمعة السيئة لا تشكل إلا حوالي ثلث عدد الأنواع المعروفة، أما الثلثان المتبقيان فحيوانات مسالمة ليس لها أنياب ولا غدد سمية، ولا يحتاج الإنسان إلى تجنبها فهي دائما ما تتجنب الإنسان بمجرد مشاهدتها له.
والثعابين من أنواع الزواحف تتميز عن غيرها بعدم وجود أي أطراف لها، وعيونها مفتوحة دائما ولا تغطيها جفون، أما الأسنان فهي حادة الأطراف ومقوسة إلى الوراء وتنتشر على الفكين، أما جسم الأفعى فيتميز بطوله الانسيابي، وتغطيه الحراشف الشبيهة بقشور السمك، لكنها تزداد سمكا في منطقة الرأس وعلى الجانبين، وتختلف ألوانها باختلاف البيئة التي تعيش فيها.
ورد ذكرها في القرآن الكريم بصفة مشيها حيث يقول تعالى: “وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (النور: 45).
فالثعابين حيوانات زاحفة من ذوات الدم البارد، وجدت على سطح الأرض منذ أكثر من 125 مليون سنة، ويفوق عدد الأنواع المعروفة منها اليوم 13 ألف نوع تختلف من بلد إلى بلد ومن مكان إلى مكان، ويقال إنه كان لبعضها أرجل اندثرت مع مرور الوقت حتى تم الاستغناء عنها نهائيا، ويدل على ذلك وجود نتوءات عظمية في جسمها تسمى “المهاميز” وللثعابين جسم طويل وهيكل عظمي مميز تتراوح فقراته بين 200 و400 فقرة تساعد الثعبان في التحرك والعصر والسباحة بشكل فعال من دون الحاجة إلى وجود أطراف كباقي الحيوانات.
يتراوح طول الثعابين من بضعة سنتيمترات إلى بضعة أمتار، تبدل جلدها بين فترة وأخرى مما يساعدها على النمو، ومتوسط عمرها بين 15 و25 سنة، وتسير بالزحف في طريقة انتقالها من مكان إلى آخر، وهناك حركات مختلفة للزحف لدى الثعابين، فهناك مثلا الالتواء الجانبي والالتفاف الجانبي والحركة الانقباضية وهي حركات تميز بعض الأنواع عن بعضها.
وبعض الثعابين سام، بل سام جدا، وبعضها غير سام وتختلف سموم الثعابين باختلاف أنواعها، ولسمومها استخدامات طبية عديدة، وتعيش الثعابين في كل مكان، فبعضها يعيش على الأرض، وبعضها يعيش في الماء، وبعضها يعيش على الأشجار.
صيادة ماهرة
والثعابين حيوانات صماء، لا تسمع لكنها تحس بطرق مختلفة، لبعضها فتحات فوق منطقة الفم والتي تسمى “الندبة” عبارة عن رادار حراري بحيث يسمح للثعبان بالرؤية ليلا أو في الظلام الدامس، أما اللسان الذي تظهره أغلب الثعابين أثناء سيرها فهو متصل بتجويف في سقف الفم يسمى عضو “جاكوبسون” يساعدها على تذوق وشم الجزئيات الصغيرة العالقة في الهواء. ولها خلايا خاصة وقدرة على الشم ولكن بلسانها.
والأفاعي من الحيوانات الصيادة الماهرة، تتمتع بحاسة بصرية حادة، وبحاسة شم عالية تتعرف بها الى فريستها وتحدد نوعها، وليس لدى الأفاعي أجهزة لاستقبال ذبذبات الهواء ولا طبلة أذن ولا أذن خارجية، وتلجأ الى عدة طرق لاقتناص فريستها وتستطيع ابتلاع حيوانات يبلغ حجمها أضعاف حجم جسمها، لأن أنياب الأفاعي مجوفة إلى الوراء، فإذا أمسكت الفريسة بأنيابها، فلا تستطيع غير الاندفاع إلى الأمام في اتجاه المريء، ويساعد على ذلك أن الفك السفلي ليس مرتبطا بجمجمة الثعبان، ومن ثم يمكن فتح الفم بسهولة بالغة وعلى اتساع كبير، ويستطيع الثعبان قضاء فترة لا بأس بها دون تناول الطعام، ذلك لأن الطعام لا يحترق في جسمه بسرعة كبيرة نظرا لأنه أقل نشاطا من غيره من الحيوانات الأخرى، وللسبب نفسه كذلك يستطيع الاستغناء عن الماء أطول مدة ممكنة.
وتزداد الأفاعي طولا كلما امتد بها العمر، أما صغارها فيتضاعف طولها خلال السنة الأولى من عمرها، ويختلف عمر الأفاعي حسب نوعها. وأثبتت التجارب أنها “صماء” لا يمكن أن تسمع الأصوات على الإطلاق لأنها لا تملك أذنا خارجية، بل هي حساسة للذبذبات التي تنتقل خلال الأرض، وتحس سير الأقدام والطرقات الخفيفة. ولكن لماذا ترقص الثعابين على أنغام “الحاوي” في الهند عندما يجلس القرفصاء في مكان متسع وحوله الناس، حيث يفتح غطاء السلة وينحني إلى الأمام والخلف واليمين واليسار وهو ينفخ المزمار ويتمايل حتى يبرز رأس كوبرا من السلة يتحرك تبعا لأنغام الموسيقا، ثم تتبعه ثعابين أخرى؟ والإجابة ببساطة كما ثبت بالتأكيد أن هذه الثعابين ترقص على حركات “الحاوي” وليس على صوت المزمار لأنها لا تسمع شيئا على الإطلاق.
أخطر أنواع الأفاعي
ومن أشهر أنوع الأفاعي السامة “الكوبرا”.. وهي توجد في جنوب شرقي آسيا، وتعتبر أخطر أفاعي العالم، ليس لأنها سامة، بل لضخامة جسمها الذي يبلغ طوله 18 مترا، ومن الأصناف التي تبصق السم الكوبرا الهندية والكوبرا الإفريقية والكوبرا ذات القبة السوداء، وتشتهر هذه الثعابين بعادة رفع الجزء الأمامي من جسمها وفتح غطاء الرأس.
وتعيش ثعابين الكوبرا في الأجزاء الحارة من آسيا وإفريقيا، وتعرف الأنواع الموجودة منها في الهند باسم “الكوبرا ذات المنظار” لوجود علامة على ظهر غطاء رأسها تشبه زوجا من النظارات ذات لون أسود، ويعيش نوع آخر من الكوبرا في الجزء الاستوائي من آسيا ويدعى “ناجا هانا” وهي أكبر الثعابين السامة في العالم، ويزيد طولها على الستة أمتار وفي إفريقيا يعيش نوع من ثعابين الكوبرا يتميز بعادة بصق السم في وجه الإنسان أو الحيوان الذي يزعجه، ويسبب إصابة مستديمة إذا لم يغسل بماء نظيف على الفور، فيما يسبب العمى للكلاب في أحيان كثيرة، وعضة الكوبرا خطيرة جدا، والموت من عضة الكوبرا قد يحدث بعد ست ساعات أو أكثر نتيجة شلل المراكز العصبية للجهاز التنفسي ولكنها لا تسبب الموت المباشر إذا تم العلاج.
وللكوبرا زوج من الأسنان في الفك العلوي أكبر وأطول من بقية الأسنان وبه قنوات تشبه إبرة الحقن إلى حد ما، وتتصل بكل أنبوبة أو قناة غدة تحوي السم، وثعبان الكوبرا يقوم بنقب لحم الفريسة بأسنانه ثم تضغط عضلات خاصة على “غدة السم” دافعة السم داخل القناة إلى الخارج من خلال القنوات الموجودة في الأسنان.
وعضة الكوبرا سلاح دفاعي حيث تشل وتقتل الكائنات الصغيرة التي تتغذى عليها، ولكنها غير ذات فائدة بالنسبة لحيوان أكبر أو لإنسان، لأن تأثيرها بطيء ومضاد السم هو العلاج الوحيد من عضة الكوبرا ويحضر بجمع سم الثعابين وحقنه للفريسة.. ولتحضير “سم الثعابين” لاستخدامها في تحضير مضاد السم تحفظ الثعابين في مزارع خاصة ويستخرج منها السم دون أن يلحقها ضرر بفتح أفواهها وقلع الأنياب السامة واستخراج السم بتدليك الغدد.
شبه المائية
وهناك ثعابين أخرى سامة منها ثعابين الجري والبحر التي تتميز بوجود ذيل مفلطح من الجانب الآخر مثل المجداف ويساعد في السباحة، وهي ثعابين قاتلة تؤثر عضتها في الجهاز العصبي، وهي غير مؤلمة في عضتها على الإطلاق مما لا يجعل الفريسة تشعر بها ولكنها تشل الفريسة بعد بضع ساعات فلا تقوى بعد ذلك على التنفس مما يؤدي إلى موتها.
ومعظم أنواع الثعابين المعروفة أرضية، تعيش في بيئات مختلفة في السهول والوديان والجبال وتحت الأرض، وتشكل أنواع الثعابين البحرية والمائية نسبة ضئيلة من بين أنواع الثعابين المعروفة، حيث يصل عدد أنواع الثعابين البحرية إلى حوالي 55 نوعا، بينما يبلغ عدد أنوع الثعابين شبه المائية نحو عشرة أنواع، والمائية العذبة نحو 35 نوعا.
وتنتشر الثعابين شبه المائية في أمريكا الشمالية وأوروبا وتتغذى على الأسماك والبرمائيات، وبعضها يتغذى على ديدان الأرض والأنواع التي تعيش في أمريكا الشمالية ولود، حيث يلد البعض منها حوالي 100 مولود في كل مرة، بينما الأنواع الأوروبية ولود ومبيضة وكل هذه الأنواع غير سامة.
وتنتمي ثعابين المياه العذبة إلى عائلة “الأراقم” وهي متكيفة للمعيشة المائية بشكل كبير وهي ولود وتنتشر في جنوب شرق آسيا وشمال استراليا وتتغذى على الأسماك والضفادع والسرطانات، ويوجد لبعضها أنياب خلفية، ولكنها قليلة الخطر على الإنسان.
الثعابين البحرية
أما الثعابين البحرية فتنتشر في المناطق الدافئة الاستوائية من الخليج العربي والبحر العربي والمحيط الهندي وجنوب اليابان وشمال استراليا. وتعيش في المياه الشاطئية الضحلة وعند مصبات الأنهار، ونادرا ما تشاهد بعيدة عن الشواطئ وخارج المياه، وتسبح قريبا من السطح، وهي لا تختلف عن الثعابين الأرضية من حيث الجسم المتطاول والفقرات كثيرة العدد، ولها أشكال مميزة، فهي صغيرة العيون وذيلها يشبه المجداف، وفتحة أنفها على قمة الرأس، ولها غدد ملحية تستخدمها للتخلص من الأملاح الزائدة، تبحث عن غذائها على الشواطئ قريبا من سطح الماء.. وجهازها العضلي ضعيف، وتستخدم السم في صيد الفرائس.. تتكاثر بالولادة، ويصل طول المولود إلى نصف طول الأم، ومنها ما يبيض وتلجأ إلى الشواطئ لوضع البيض كما تفعل السلاحف.
ويعيش في الخليج العربي عدد لا بأس به من أنواع الثعابين البحرية من أشهرها حنش البحر ذو الحلقات والحنش ذو الثنية، وثعبان البحر أصغر البطن، والثعابين البحرية سامة لكنها مسالمة خاصة للإنسان وعضها نادر الحدوث إلا أنها في بعض الأحيان تهاجم البحارة، وتقدر نسبة الوفيات المتسببة من لدغ الثعابين البحرية بنحو 5% من عدد الحالات الملدوغة ويتفق المختصون على أن أنواع الثعابين البحرية لها صلة قرابة وثيقة بعائلة الصلال التي تعيش في الأرض.
وفي منطقة الخليج أيضا أنواع من الأفاعي منها النوامة وأفعى السجاد والأفعى الكذابة.
ورغم الخوف من الثعابين وخطورتها إلا أن جمعها تحول عند بعض الأشخاص إلى هواية حيث يقتنون منها الكثير، وهي من خلق الله المبدع لكل شيء فهي لا تموت ولا تتأثر بالسم الزعاف الذي في جوفها أو في فمها، ناعمة الجلد يضرب بها المثل في النعومة، لكنها مخيفة في كل الأحوال
مواقع النشر (المفضلة)