يغضب البعض عندما يتجرأ عليهم الآخرون محاولين اقتحام خصوصياتهم، ويعتبرون ذلك نوعاً من الوقاحة، أو الجرأة غير الاعتيادية.
وقد يرى أحدهم أن ليس من حق أحد أن يجتاز المسافة بينه وبين الآخر، أو يقفز السور الذي بينهما، ويتناسى من يقول ذلك، ان هذه المسافة التي بينهما، واجتازها ذلك الشخص، ظلت مفتوحة، ومباحة وغير محددة، أو مؤطرة، أو تحت حراسة خاصة لا يسمح بالدخول إليها لمن هب ودب.
نسي أن السور الذي قفز منه ذلك الشخص إليه متطفلاً، هو الذي أقامه، وأسسه، بقامة يسهل على أي أحد أن يقفز عليها، وأن يجده أمامه دون استعداد له.
المشكلة أنك تعتقد دائماً بأن الآخرين هم الذين يقيلون هدوءك ويكسرون صمتك، ويتطفلون على حياتك الخاصة. وتتجاهل دائماً مسؤوليتك الكبيرة إزاء ذلك، تتجاهل أنك أنت من منحت الآخر أن يتداخل معك دون حساب، ويجعلك ترتبك دون أي قدرة على المقاومة، أو التصدي له، أغلقت دائماً مسافات الهامش مع الآخرين، أو المساحة التي تملكها وليس من حق أي أحد أن يصل إليها، فتحت كل الطرقات، وسهلت كل المسالك، وبعدها توقفت شاكياً، مديناً هؤلاء المتجاوزين.. رامياً كل مسؤولية الكارثة عليهم.. ومع ذلك ومع كل هذا المرار، والحذر، والانصراف إلى إقفال كل الحدود.. ولاعتبارات الاعتياد على فك كل الطرقات تجد نفسك للمرة الألف متورطاً مع الآخرين باستغلال المسافة بينكما، وكسر حدود الهامش، من منطلق مفهوم خاص يربط كل الأطراف وهو نظرية الانتماء إلى الآخر، ومن ثم محاولة إعادة صياغة التحالف معه دون القدرة على التواري بعيداً عنه.
أجمل ما في الحياة أن لها تقسيمات مريحة لكل البشر، يرتكز على نظام متكامل من الألف إلى الباء.
قد يرى البعض أنها تقسيمات ظالمة، وغير موضوعية أو حتى مقبولة تحكمها ملامح القهر أحيانا، والبعد عن العدل.. وتقودها أمور يبدو الانشغال بها ضرباً من الجنون.
ومع ذلك يرى البعض الآخر أن الإنسان في هذه الحياة، يستطيع أن يكون ضمن تقسيمة السعداء، إن هو عرف ما يريد من الحياة، واقتنع به، وقصّر على نفسه طرق الوصول الى الراحة والاستقرار النفسي والذهني.
عرف ما يريده هو ضمن الإمكانيات المتاحة، أو التي يستطيع أن يصل إليها..
عرف ملامح حلمه وسعى إليه بهدوء، ورغبة محب للحياة، ومقبل على التعايش معها.
خدم تفاصيل الحلم بالبحث عنه، بإرادة المتفاعل مع قضية الوجود.
ركّز على قدراته دون أن يعرّج على مواويل الشكوى، أو يستوقف الخلل في الممرات ليستكين إليه.
اقترب من قواه المعطلة، وتدارك ما يمكن أن يصل إليه، وإحاطة بحثه الطبيعي في الاتجاه إليه.
هذا الاقتراب مكّنه من فتح الأبواب المغلقة، والقبض على الريح التي تحاول أن تجازف، وتهب على مناطق سلطته.
تمت لديه بجمال كل لحظات السعادة المحدودة في نظر الآخرين والتي قد يرون أنها لا تستحق أي مجازفة، أو الدخول في تيارات صعبة ومع ذلك ظل هو قابضاً على حلمه عارفاً ما يريده، مصرّاً عليه، مؤمناً أن الحياة ستكون أجمل بأحلامه ومعرفته بما يريد.
مواقع النشر (المفضلة)