نراها - بأبصارنا - أمام قائد السيارة تضيء بلونها الأحمر عند وجود خللٍ ما بالسيارة، وللقائد الخيار، إمَّا أن يبحث عن الخلل ويُصلحه فينجو، أو يتجاهله، فيحدث ما لا تُحمَد عُقباه.. ونشاهدها في تقاطعات الشوارع تحمرُّ، فيحترمها عقلاء البشر ويتخطاها سواهم، فيُقتَل من يُقتَل، ويُعوَّق من يُعوَّق وإلى الله المُشْتكى !! وتوجد أحيانا أمام مكاتب بعض المسؤولين لتنظيم الدخول إليهم، فصاحب الحاجة يراها حمراء فينتظر - وهو يتمتم داعياً- ينتظر خروج مَنْ عند المسؤول ليدخل هو، ويطول انتظاره.. ويطول، ثم يخبره أحد العمال - نهاية الدوام - أن اللمبة (مولَّعة) من أمس.. والمسؤول غير موجود !!
وندركها - ببصائرنا - في مواقف الحياة وأحداثها:
فصاحب العمل يقول للعامل الذي كثُر إهماله : لقد تجاوزْتَ الخطوط الحمراء.. ولو نظر العامل خلفه ما وجد شيئاً !! ولكنها إشارة، معناها : احذر، غيِّر أسلوبك، انضبط.. فعليه أن يبحث عن الخلل ليُصلحه.
الابن.. تغيَّر أسلوبه فصار عنيفا مع إخوانه بعد لين ورقَّة، أصبح انطوائياً بعد أن كان يملأ البيت حركة وحياة، تأخَّر دراسياً بعد تفوُّق وتميُّز...تلك إشارة حمراء تقول للوالدين: هناك خللٌ ما، بادِرَا بالإصلاح ولا تتجاهلاه بأي عذرٍ كان؛ فقد يكون السبب نابعاً من معاملتكما له.
الابنة.. تلك الفتاة التي نمتْ يوماً بعد يوم.. تملأ البيت بضحكاتها ..وحنوِّها على أبيها، وأمِّها وإخوتها، هاهي قد كبرت زهرة يانعة، وطرق البابَ الخاطبون.. فما وجدوا غير عدم القبول.. بينما الزهرة بدأت في الذبول؛ فشحُب الوجه، وتقرَّحت الجفون، وبدت عليها أمارات القلق والهموم.. فتلك إشارة حمراء تقول: أيتها الأم الحانية لكِ في السيدة خديجة - رضي الله عنها- خيرُ قدوة .. وأنتَ أيها الأب العطوف: لك في عمر بن الخطاب وحفصة - رضي الله عنهما - أروعُ أُسْوة !!
الزوج.. تبدَّلتْ أحواله، وانشغل باله، وزاغت عيناه عن جمال زوجته الذي جذبه أول لقاء، ودعاه إلى الزواج بها، بدا عليه الملل، وانخرس لسانه عن الغزل، إذا خرج من البيت وجهه تهلَّل، وتهندم وتعطَّرْ، ويتمنى أن يعود وأهل البيت قد ناموا أو... فيتأخَّرْ.. تلك إشارة حمراء بحجم البيت كله تقول للزوجة: لا تحاولي إطفائي، ولكن ابحثي ماذا ورائي؟!ولا تهوِّني على نفسك وتقولي:(هذا حال كل الرجال في المسلسلات التلفزيونية) فقد يكون السبب وراء ذلك كله أنتِ !!
الزوجة.. بعد أن كانت راضية، ترى بيتها أروع البيوت، وزوجها ليس له مثيل في عالم الرجال. صارت غاضبة، كثيرة الشجار بالليل والنهار، لا تطيق أحداً بالبيت، تلعن حظها، وتلوم أهلها الذين زوجوها هذا الرجل من بين الرجال.. فتلك إشارة حمراء للزوج الغافل أو المتغافل؛ كي يصلح من شأنه، ويعالج تقصيره، ولو بكلمة دافئة يطبِّب بها ما يجرحه لسانه صباح مساء.. ويذكِّر نفسه بقول الشاعر:
لا خيلَ عندك تُهديها ولا مالُ
فليسعدِ النطقُ إن لم تسعدِ الحالُ !!
شباب.. في أول عتبات الحياة، ينتحرون بصورة بشعة، وينحرون معهم سُمْعَة بلادهم، ويشوِّهون سماحةَ دينهم، ويُحِلِّون بأهليهم كل دمار.. تلك إشارة تخاطب الوطن بكل مَنْ فيه، أن هناك خللاً.. وعلى أولي الأمر: في البيت والمدرسة والنادي والمسجد والإعلام.. عليهم جميعا تدارك الأمر قبل غرق السفينة بمن فيها.. فتلك إشارة حمراء لها ما وراءها .
كثيرة.. هي تلك الإشارات الحمراء في حياة كلٍّ منَّا، وكبيرة هي معانيها، وكثيرون هم أولئك الذين يدوسونها بأقدامهم، أو يحطِّمونها حتى لا يزعجهم ضوؤها غير آبهين بها.. وهم لا يعلمون أن جَمْرها ملتهِبٌ تحت الرَّماد!! والقليل.. القليل مَنْ لا يحاولون إطفاءها قبل أن يدركوا ما وراءها؛ لأنهم فهموا ما تقوله(طرفة عينها ) ف(.. كل لبيب بالإشارة يفهمُ )!!
مواقع النشر (المفضلة)