عندما يتأمل المرء في حجم العداوة التي قوبل بها الإسلام منذ بعثة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وإلى يومنا هذا يدهشه أن هذه العداوة لم تزده إلا قوة وانتشاراً.
فكلما تعرض الإسلام لعدوان ظاهر أو مستتر زاده ذلك استقواء واستحكاماً في قلوب البشر وعقولهم، وصولاً إلى أيامنا هذه حيث يقدر عدد المسلمين بحوالي مليار وثلاثمائة مليون مسلم في العالم وحيث ينتمي إلى الإسلام كثير من العلماء والمثقفين والنخب، مما يعبر عن انسجام الإسلام مع الفطرة من دون تشويه ومع العقل السليم من دون تزوير.
والأمر هنا يدل على أن قوة الإسلام واستقراره وانتقاله على سطح الأرض وانتشاره ومردها إلى حفظ الله لآخر دين ختم به عز وجل الأديان، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة، ومما ترتاح إليه القلوب المؤمنة الحريصة على وصول الإسلام إلى كل شبر من الأرض، وهكذا يمكن القول إن كل من يخطط لضرب الإسلام وتشويهه وتنفير الناس منه يقابله وسيقابله مكر الله الذي هو أقوى من مكر الماكرين، وفي كل معركة سيخرج الاسلام فائزاً بنصر الله لا بنصر العباد.
إن أغلب الأديان والجماعات والفلسفات والدعوات كثيراً ما تصنع ممن يدعون إليها حتى تصل الى حال تأمن فيها العداء والمكر، أما الإسلام فأمره مختلف بشكل لا بد من تأمله والوقوف عنده، فالوحي كثيراً ما كان يدعو النبي الأعظم إلى استنفاد الجهد في دعوة الناس الى الاسلام منذ أن بدأت الدعوة بإسلام خديجة بنت خويلد وأبي بكر الصديق وسعد بن أبي وقاص وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين وإلى أن صار المسلمون يعدون بمئات الآلاف، لكنه في الوقت نفسه لا يحمل مسؤولية النتائج، فالله يهدي من يشاء والقرآن محفوظ بأمر الله وعلى الله جمعه وبيانه ولا نجد في القرآن ممالأة لأحد من المسلمين الأوائل حتى من مثّل اسلامهم دفعاً كبيراً للإسلام في بداياته كحمزة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وقد أدى كل هذا الى طمأنينة عمرت قلب الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم حتى كأنه يرى انتشار الإسلام واعتناق الملايين له وهو في بداية دعوته وأنصاره لا يزيدون على عشرات، بل إن هذا اليقين بحفظ الإسلام والقرآن دفع الرسول الأعظم عندما نزلت آية في القرآن “والله يعصمك من الناس” إلى أن يخرج من حجرته الشريفة ويصرف حراسه من الصحابة الكرام.
فقد تعهد الله بحفظ حياته عليه الصلاة والسلام، كما تعهد بحفظ دينه وانتشاره.
أما المسلمون فقد كان واضحاً لديهم أن تقصيرهم يؤدي وسيؤدي إلى استبدالهم بآخرين أكثر حباً لله ورسوله، وأكثر حرصاً على إعلاء كلمة الله. وهكذا وصل يقين رسول الله إلى قلوب صحابته الكرام فهانت عندهم التضحيات وعاشوا كمن يرون الله والصراط والجنة والنار رأي العين وهكذا اشتد عود الإسلام من دون أي ممالاة أو مصانعة لأحد.
إن هذا الإيمان بحفظ الله لكتابه ودينه يتصل بما كنا قد ذكرناه عن الإيمان بعظمة الله ومشيئته وقدرته التي تتجاوز كل الأسباب والمسببات والحتميات الضيقة التي تنجم عن الحسابات الدنيوية وقد ظهر هذا فعلاً وأكثر من مرة عبر التاريخ الإسلامي عندما استأسد الباطل وعلا أمره فلم ييأس المسلمون من روح الله، ولم يشعروا بأن الإسلام في خطر فهانت عليهم نفوسهم وتضحياتهم ما دامت كلمة الله ستبقى هي العليا، ونعود إلى شهادة الأستاذ أحمد أمين في كتابه “يوم الإسلام” “لقد توصل المؤتمرون عام 1911 إلى حقائق منها: دراسة الحالة الحاضرة للإسلام، استنهاض الهمم لإيجاد الأشخاص والمنابر التي تصرف الناس عن دينهم، جمع التبرعات وإعداد القوات اللازمة للحرب على الإسلام ورفع شأنها واستنهاض الكنائس لمقاومة المسلمين ونشر التبشير بينهم (يوم الاسلام 142،143).
وكما في كل مرة استطاع الإسلام بحفظ الله له أن يبقى ويستمر ويتجاوز مكر الماكرين، واليوم مع إعلان الحرب على الإسلام جهاراً لا خفية مع كل ما يعنيه هذا من خوف الآخرين من الإسلام وحرصهم على إضعافه وإزالته. نؤمن جميعاً بأن كلمة الله هي العليا وأن دين الله ظاهر مهما كان كيدهم ومكرهم.
مواقع النشر (المفضلة)