الكفاءة بإيجاز هي التساوي من جميع الجوانب، أو على الأقل التقارب في جميع الجوانب، ولكي تؤتي الدعوة ثمارها لابد من التكافؤ بين الداعية والمدعوين من حيث العلم والثقافة والمعرفة والميول والاهتمامات والاحتياجات والسمات الشخصية وغيرها من الصفات.
ولأن هذا التكافؤ بهذه الصورة في جميع المدعوين ضرب من المحال، والاختلاف والتفاوت بين الناس هو الوارد، فقد أشار الله سبحانه وتعالى إليه في كتابه العزيز في قوله تعالى { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ } (الروم 22).
فكان من مقتضى هذه الحكمة أن يقع الخلاف بين الناس فهي سمة البشرية وسنة كونية لا تتغير ولا تتبدل.. وقد صح عن ابن عباس - رضي الله عنه - ما قوله: (كان بين آدم ونوح عشرة آخرون كلهم على الإسلام ثم اختلفوا بعد ذلك) وخير شاهد على ذلك: الأنبياء والرسل حيث جاءوا بآيات منزلة من عند الله سبحانه وتعالى ربهم ورب كل شيء.. فماذا كان موقف الناس من هذه الدعوة ؟ هل الجميع آمن ؟ لقد أساء أغلب الناس فهمهم لأنبيائهم فناصبوهم العداء وقابلوهم بالإيذاء بشتى صوره ولم يتبعهم إلا القليل!!
ويؤيد هذا الاختلاف قوله - صلى الله عليه وسلم - (افترقت اليهود على 71 فرقة وافترقت النصارى على 72 فرقة..).
وهذه الأمة ليست ببدع عن الأمم فقد بقي رسولها 23 سنة بين ظهرانيهم يعلمهم الكتاب والحكمة ويتلو عليهم آياته ويزكيهم، ومع هذا اختلف الصحابة - رضوان الله عليهم - في مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدركتهم الصلاة في الطريق فقال بعضهم: نصلي ولا نترك الصلاة وقال بعضهم: لا نصلي إلا في بني قريظة فصلوا بعد غروب الشمس.. فلم يعنف أحداً منهم).
وحتى الذين تبعوا الأنبياء وآمنوا بهم في حياتهم أو بعد مماتهم ذهبوا في تفسير أقوالهم مذاهب شتى فكانت المذاهب والملل والنحل وكثرة الفرق، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ستفترق أمتي على 73 شعبة كلهم في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة التي فهمته واتبعته بلا تأويلات وتفسيرات فاسدة.
وكل ذلك ناتج عن سوء الفهم والتأويلات الفاسدة والخوض في دين الله بدون علم.. فالواجب على الداعية قبل إعداد محاضرته إن أراد توصيل رسالته إلى المدعوين أن يدرك أن عقول الناس وأفهامهم تتفاوت.. فيحسن اختيار الموضوع ويراعي الفروق الفردية من حيث عقولهم واهتماماتهم واحتياجاتهم ونفسياتهم ومنطلقاتهم الاجتماعية والعقدية وغيرها من الفروق، فما يصلح للعالم قد لا يصلح للجاهل والعكس، وما يصلح للخاصة ربما يسيء للعامة، وما يصلح لكبير السن يُنفر صغير السن وهكذا..
ولأهمية هذا الأمر.. ذكر البخاري عن علي - رضي الله عنه - قال (حدِّثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يُكَذََّبَ الله ورسوله).
وفي مسلم عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: (ما أنت بمحدِّث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).
فالتكافؤ والتفاهم الكامل لا يتم إلا بالمعرفة الكاملة بين اثنين متكافئين، ولكن بين جاهل وجاهل أو عارف وجاهل فيكون التفاهم الكامل ضربا من المحال وإهدارا للوقت والجهد!!
وحتى لا يذهب وقت المدعوين وجهد الداعية والقائمين على الدعوة والحريصين عليه سُدى.
فإني اقترح على كل جهة مسؤولة سواء وزارة الشؤون الإسلامية أو مكاتب الجاليات أو دور التحفيظ أو غيرهم.. التنسيق والترتيب بين الداعية والمدعوين بحيث لا تترك المجال مفتوحاً على مصراعيه لجميع المدعوين كباراً وصغاراً نساء ورجالاً عارفين وجاهلين، بل تحدد لكل فئة عُمرية ما يناسبها من المواضيع التي تلبي رغباتها وتُشبع حاجاتها لتكون الفائدة أعظم وأكثر بدلاً من الزحام والاختناق والإزعاج وفوضى الأطفال الذي يحدث غالباً في محاضرات النساء.. ومن ثم الخروج من المحاضرة بلا شيء!! والله الموفق
مواقع النشر (المفضلة)