جرائم القتل بدافع الشرف، من الجرائم الشائعة والمثيرة للدهشة في مجتمعاتنا العربية، حيث وصلت نسبة ارتكابها إلى مستويات مرتفعة خاصة في السنوات الأخيرة.. جريمة داخل الأسرة أو العائلة أو القبيلة، دفاعا عن الشرف والغيرة على العرض.. تتهم الفتاة صدقا أو كذبا بارتكاب الزنى.. ولا يطفئ نار الأب أو الابن أو الشقيق أو القريب ولا يمحو عاره إلا التخلص منها بقتلها، لأنها ارتكبت سلوكا شائنا لا يرضى به المجتمع.
نعم إن الزنى حرام في حق الرجل والنساء جميعا وهو كبيرة من الكبائر بغض النظر عن جنس من ارتكبه. يقول الله تعالى: “ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا” (الإسراء: 32).. وفي جرائم الشرف تقع جملة من الأخطاء الشرعية:
أولا: التفرقة بين الرجال والنساء، أو بين الأبناء والبنات، فلا يوجه الآباء أو الإخوة كلمة لوم واحدة إلى الفتى الزاني، ويقتلون البنت الزانية.
ثانيا: إنهم يحكمون بالقتل على الفتاة البكر وعقوبتها الشرعية لو ثبت عليها الزنى بالبينة أو الإقرار أربع مرات هي الجلد.
ثالثا: يحكمون على اللقاء بين الرجل والمرأة بأنه زنى، وهذا يعتبر صغيرة ولا شك أنه حرام ولكنه لا يوجب القتل، بل لا يبيح القتل.
رابعا: كثيرا ما يؤخذ بالشائعات وتصديق الاتهامات الباطلة من دون التحقق والتحقيق ويعطون أنفسهم سلطة المفتي والشرطي والقاضي.
ويقع هؤلاء في أخطاء كثيرة وجسيمة، ثم يتبين لهم بعد تنفيذ العقوبة على الفتاة أنهم على خطأ.. والواجب في هذه القضية الوقوف عند حدود الله تعالى والتقيد بالأحكام الشرعية وتغليبها على الأعراف القبلية التي كثيرا ما يحكمها الشطط والتجاوز والتعدي “أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون” (المائدة: 50).
ومما ينبغي أن يذكر هنا أن القاتل إذا كان هو الأب فلا يحكم عليه بالقصاص شرعا، لأنه لا يُقتل والد بولده، كما هو مذهب الفقهاء.. وإذا كان القاتل هو الأخ فلابد أن يوافق جميع أولياء الدم على طلب القصاص، فإذا عفا أحدهم عن حقه، سقط القصاص.
أن بعض الآباء والأزواج والإخوة يخالفون الشريعة الإسلامية عندما يقتلون البريئات لمجرد سماع الشائعات الكاذبة، حيث تنشأ فكرة قتل المرأة غسلا للشرف في حين أن القرآن الكريم وضع نظاما حضاريا، حيث جاء صحابي اتهم زوجته وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: رأيت بعيني وسمعت بأذني. ومع هذا رفض الرسول صلى الله عليه وسلم توقيع أي عقوبة على المرأة لأنه اعتبره مدعيا من دون شهود، فما بالنا بسماع الشائعات؟ هذا علاوة على أنه يوجد في تطبيق القانون في حالة الزنى نوع من التمييز فنجد أن العقوبة التي تقع على الزوج الذي يفاجئ زوجته متلبسة بالزنى ويقتلها في الحال هي الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة تنخفض إلى الحبس سنوات قليلة، في حين إذا ضبطت الزوجة زوجها متلبسا بالزنى وقتلته فإن العقوبة تتراوح بين الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة فقط وهذه تفرقة ظالمة بالنسبة للمرأة، فإذا رجعنا إلى القرآن الكريم فسنجد المساواة بين الرجل والمرأة.
ولابد أن نؤكد أن حق الحياة من أقدس الحقوق إن لم يكن أقدسها، والاعتداء عليها بالقتل، جريمة من أشد الجرائم نكرا وأكبرها خطرا، حيث يؤدي إلى إشاعة الفوضى والاضطراب، وهو في حقيقته تحد لشعور الجماعة وخروج على آداب الاجتماع، والحياة من دون احترام لحقوق المجتمع أشبه بحياة الغاب.
وقد حرم الإسلام القتل من دون سبب مشروع، فهو لا يرضى أن تسيل الدماء بغير حق، ولا أن تعيش الأسرة في الفتن وتتعطل مصالحها. وفي الوقت نفسه فإن الزنى جريمة منكرة تستوجب غضب الله ونقمته، وتستلزم إقامة الحد في الدنيا، بالجلد لغير المحصن، والرجم للمحصن، وأعظم من الزنى أن يعمد أحد الأقارب إلى قريبته الزانية فيقتلها ليتخلص من عارها، وهؤلاء لا يقصدون إقامة حد الله ولا يغضبون لانتهاك حرمات الله.
مواقع النشر (المفضلة)