من بعيد00خيال لعجوز طاعنة في السن00تتهاوى يُمنة ويُسرة
مشيةٌ متثاقلة00وعصا تمسكه بيدها يسند ما تبقى من انسانة
البرد ينخر عظامها00وزمن قاسٍ حفر اخاديداً في ملامحها
يدان ترتعشان 00شفتان ترتجفان بالكاد تستطيع النطق
أحداق جامدة 00ومفاصل أكلها الصدأ00
اقتربت نحوي 00
- " يا ولدي ابغاك تساعدني موية الشارع تمر من بيتي "
مشيت خلفها وهي تقودني باتجاه آخر ما يمكن ان يسمى به هو منزل للعيش00
علامات الفقر تنهش المكان 00وكأن من يسكنه الأشباح فقط
في الداخل رأيت شيئا مفزعاً 00لقد أصبح المنزل مستنقعاً للقاذورات00
تجولتُ في أرجاء المكان00وذهول يسيطر على كل حركة أقوم بها
هل من الممكن العيش في مثل هذا الوضع وهذا المأوى؟؟؟
حاولت طمأنتها بأنني هنا لمساعدتها وسأحاول أن افعل ما بوسعي بعون الله وتركتها وانصرفت00
عجوز في مثل هذا السن وبهذه الحالة 00تعيش لوحدها!! أمرغريب00 أين أولادها ؟ أوحتى أقاربها؟
في اليوم التالي قابلتها00سلمت عليها 00وطرحت سؤالي الذي حيرني 00
- يا والده 00 عندك أولاد؟
- أيوه وولدي يعيش بجنبي ؟؟؟؟؟؟
دارت بي الدنيا 00" بجنبك ؟"
ونظرت حيث أشارت بعصاها 00عمارة فخمه 00وسيارة جيدة00
وأم تعيش في منفى الى جانب ولدها 00!!!
أين الرحمة ؟ أين وصايا الدين والقرآن وأحاديث الرسول الكريم 00أين الإنسانية؟؟؟
قلت لها : كيف يرضى ولدك بأن تعيشي هنا وعلى هذا النحو ؟
أجابت : " الله يوفقه الدنيا شاغلته وعياله ماليين عليه الدنيا"
حسناً وماذا عن أمّه أليست من عياله وأهله 00من أي طينةٍ عجن هذا المخلوق ؟
بالتأكيد ليس من البشر 00إنّه حجرٌ في هيئة إنسان00
طيبت خاطرها ببضع كلمات رسمت بسمة متعبه على وجهها ودعت لي بالتوفيق 00
أحضرت العمال والمعدات وبدأنا العمل 00نحاول ان نجعل من المكان صالحاً لحياة البشر00
كنت أترقب قدوم الولد البار00كانت ظروف عملي في عدة مواقع تتحكم بمواعيدي وتمنعني من رؤيته00
تابعنا العمل واستمرت المسكينة بالدعاء لنا00 وفي نهاية العمل كنت اقف بجانبها 00
فجأة رأيت الدموع تنهمر من عيونها الذابلة وهي تهم للأمساك بيدي تنوي تقبيلها00
سحبت يدي بسرعة 00"معاذ الله 00هوني عليك ياوالدة 00الدنيا مازالت بخير 00وهناك رب في السماء
يرى00ويسمع 00ويُجازي00
حكت لي عن أعمالها اليومية 00تصحو باكراً00تجهز زوادتها00ثم تبدأ مشوارها نحو سوق الاغنام مشياً!!
" سوق الأغنام يبعد حوالي 3 كم عن منزلها" عندها هناك بعض الغنم والماعز والدجاج تقتاتُ منها
قالت لي : " أسرح بدري للغنم أرعاها في البر وفي المغرب أرجع لبيتي "
يا الهي كل يوم تمشي على الأقدام حوالي 6 كيلو متر!!! 00جلّت قدرتك يا رب انت المعين والوكيل
دعوت الله أن يمدها بالعافية ومازلت أتحرّق لمقابلة ولدها00
بعد عدة أيام وأنا أقف بين عمال الشركة التي أعمل بها في مشروع قريب من منزلها
رأيت سيارة ولدها تقترب من المكان 00ومن السيارة نزل شابٌ تتطاير من عينيه وثوبه وملامحه مظاهر الخيلاء
جلستُ أتأمله 00تخيلت أن أرى له أنياباً وأظافر00حتى الحيوانات المفترسة تحنو على ذويها00
بادره أحد المراقبين عندي مسائلاً : " ألا تخشى الله00؟ أين بر الوالدين ؟ "
غضب الشاب وهاجمه بالسباب والشتائم 00
- "من أنت أيها(ال000 ) أنت تعلمني عن البر بأمي ؟ أنا أعلمك وأعلم أهل بلدك جميعاً "
شتائم من كل صنف ولون 00أطرقت الأم وجهها في الأرض وانسحبت دون ان تنطق بحرف 00فقط تنهيده وغابت في وكرها 00ذلك الذي ارتضاه لها ولدها البار!!!
اجتاحتني رغبة قوية في صفعه وأن أمرّغ أنفه وغروره في التراب هذا المتكبر المتجبر العاق00
في النهاية أمسكت نفسي 00حرصاً على درء المشاكل 00من يدري ماذا نحصد من خلف عاق لايخاف الله
مثله يجب الحذر منهم 00فمن لاخير فيهِ لأهله لاخير فيهِ للناس00
اتقوا الله أيها الناس في آبائكم وأمهاتكم00وأحسنوا اليهم وعاشروهم بالمعروف
فالله يمهل ولايهمل 00وهو الحكم العدل00
وارجو ان تجدوا منها الفائده وذالك ببذل الجهد في طاعة الوالدين ......
رد مع اقتباس
مواقع النشر (المفضلة)