حفصة بنت عمر حارسة القرآن الكريم
أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، أمها زينب بنت مظعون، وخالها الصحابي الجليل عثمان بن مظعون، ولدت قبل البعثة بخمس سنوات في مكة، ولما بلغت سن الزواج تقدم إليها خنيس بن حذافة السهمي وتزوجها، وعندما أذن الله للمؤمنين بالهجرة لحقت السيدة حفصة وزوجها بركاب المؤمنين المتجهة صوب المدينة حتى استقرت بهم الحال هناك، وما هو إلا قليل حتى بدأت مرحلة المواجهة بين المؤمنين وأعدائهم، فكان خنيس من أوائل المدافعين عن الدين، وقد شهد غزوتي بدر وأحد وأبلى فيهما بلاء حسنا، وخرج منهما مثخنا بجروح كثيرة ولم يلبث بعدها إلا قليلا حتى فاضت روحه سنة ثلاث للهجرة مخلفا وراءه حفصة، رضي الله عنها، وقد ترملت وهي في سن الثامنة عشرة.
اكتنفت سيدنا عمر بن الخطاب مشاعر الشفقة والحزن على ابنته، وشق ذلك عليه فأراد أن يواسيها في مصابها ويعوضها عن ذلك الحرمان، فقام يبحث لها عن زوج صالح، حتى وقع اختياره على عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأتاه فعرض عليه ابنته لفضله ومكانته ومنزلته، يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، قال عثمان: سأنظر في أمري، فلبث عثمان ليالي ثم اعتذر لعمر بأنه لا رغبة له في الزواج، قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فسكت أبو بكر ولم يرجع إلى عمر بجواب، فانطلق عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد اغتاظ من قسوة الموقف واشتد به الغضب، فتلقاه عليه الصلاة والسلام هاشا باشا، وأقبل عليه يسأله عما يغضبه، فحدثه عمر عما كان، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: “يتزوج حفصة من هو خير من عثمان ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة”، فقام إلى النبي يصافحه متهللا وقد زال عنه ما كان يجد من مهانة الرفض وخرج إلى ابنته مسرعا ليزف إليها الخبر والبشرى.
ذكاء وفطنة
وهكذا شرفها الله سبحانه وتعالى بأن تكون زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم وأمّا للمؤمنين تقتبس من أنواره وتنهل من علمه بما حباها الله من ذكاء وفطنة وشغف للمعرفة، ونلمس ذلك من أسئلتها التي تلقيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم استفهاما للحكمة واستيضاحا للحقيقة.
وعنها رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدرا والحديبية”، فقالت أليس الله عز وجل يقول: “وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا” فأجابها: “ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا”. (مريم: 72).
سمع عمر يوما من زوجته أن ابنته تراجع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان فمضى من فوره حتى دخل عليها فسألها إن كان ما سمعه حقا فقالت بأنه حق فزجرها قائلا: “تعلمين أني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله، يا بنية لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها وحب رسول الله إياها، والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك ولولا أنا لطلقك”.
وقد طلق الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة حفصة، فعرف عمر رضي الله عنه بالخبر، فأخذ يحثو التراب على رأسه ويقول: ما يعبأ الله بعمر وابنته، وبعدها نزل جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن الله تعالى يأمرك أن تراجع حفصة رحمة بعمر، وفي حديث آخر أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة.
آيات التحريم
وقد تظاهرت السيدة عائشة والسيدة حفصة رضي الله عنهما على النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الهجر واعتزاله لنسائه.
وتعددت المرويات في أسباب نزول آيات التحريم ومنها أن السيدة حفصة رضي الله عنها علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خلا بالسيدة مارية رضي الله عنها في بيتها، فبكت حفصة مقهورة فاسترضاها الرسول الكريم بأن حرم السيدة مارية على نفسه، موصيا السيدة حفصة بالكتمان ولكنها لم تستطع أن تكتم السر وأخبرت السيدة عائشة، وتمادتا إلى حد الشطط الذي لم يكن الرسول فارغ البال له، فاعتزل نساءه جميعا في صرامة لم يألفها، وقال: “ما أنا بداخل عليهن شهرا” ولكن الله لطف بهن فاكتفى بإنذارهن إن لم يتبن، فعسى ربه أن يبدله أزواجا خيرا منهن.
ونزل عمر إلى المسجد وبشر المسلمين بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلق زوجاته بعد أن شاع ذلك بين الصحابة .
وفي رواية بصحيح البخاري أن التظاهر كان في طلب التوسعة في النفقة، وفي رواية عن عمر رضي الله عنه أنه قال: “اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه”.
بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشهاد الكثير من الصحابة في حروب الردة من حملة القرآن الكريم، استقر رأي المسلمين على جمع القرآن وتدوين المصحف، فكلف أبو بكر الصديق رضي الله عنه من جمعه وكتب في صحيفة استأمن عليها السيدة حفصة، فقد كانت كاتبة فصارت حارسة القرآن الكريم، ثم طلب منها عثمان رضي الله عنه المصحف لينسخه لجميع الأمصار على قراءة واحدة، ثم أعاده إليها وظل عندها وقد أقامت بالمدينة عاكفة على العبادة صوامة قوامة إلى أن توفيت في عهد معاوية بن أبي سفيان، وقد زكتها السيدة عائشة بقولها إنها ابنة أبيها والكل يعرف من أبوها.
مواقع النشر (المفضلة)