فيهِنّ مَنْ تَقْطُرُ السّيُوفُ دَماً**إذا لِسَانُ المُحِبّ سَمّاهَا
يقول فيهن من هي منيعةٌ لا يقدر العاشق على أن يذكرها ولو ذكرها لقطرت السيوف دماً لكثرة منَ يمنعها بسيفه.
أُحِبّ حِمْصاً إلى خُناصِرَةٍ**وَكُلُّ نَفْسٍ تُحبّ مَحْيَاهَا
قال الواحدي: أي حيث اجتمعت لي هذه الطيّبات خد الحبيب وتُفّاح الشام وشرب المدام على هذين.
حَيثُ التَقَى خَدُّها وَتُفّاحُ لُبْـ**ـنَانَ وَثَغْري عَلى حُمَيّاهَا
قال الواحدي: أي حيث اجتمعت لي هذه الطيّبات خد الحبيب وتُفّاح الشام وشرب المدام على هذين.
وَصِفْتُ فِيها مَصِيفَ بَادِيَةٍ**شَتَوْتُ بالصّحصَحانِ مَشتاهَا
قال الواحدي: يقول أقمت بها صيفاً كصيف البدويّين وأقمت بالصحصحان شتاءً كشتاء أهل البادية، أي على رسم أهل البدْو في الصيد وما ذكر بعده.
إنْ أعشَبَتْ رَوْضَةٌ رَعَيْنَاهَا**أوْ ذُكِرَتْ حِلّةٌ غَزَوْنَاهَا
قال الواحدي: هذا البيت تفسير للذي قبله. يقول: إذا أعشب مكانٌ رعينا ذلك المكان كعادة أهل البادية في تتبّع مساقط الغيث، وإذا ذُكر لنا قومٌ حلّوا بمكان، غزوناهم وأغرْنا عليهم والحلّة أسمٌ لأبياتٍ وجماعةٍ نزلوا بمكانٍ يقال حيُّ حِلالٌ وهي جمع حِلّة.
أوْ عَرَضَتْ عَانَةٌ مُقَزَّعَةٌ**صِدْنَا بأُخْرَى الجِيادِ أُولاهَا
قال الواحدي: العانة القطيع من الحمر والمقزّعة التي كالقزَعَ وهي قطعُ السحاب. يقول: إذا ظهر لنا قطيع من حمر الوحش صدنا بآخر خيلنا أولاها، يريد أنّ خيلهم سريعة تلحق آخرها أولَ القطيع، والمقزّعة رواية ابن جني. وقال ابن فورجة: الذَي رواه الناس مفزَّعة بالفاء يعني أنها قد فُزّعت فهو أخفّ لها وأشدّ على قابضها.
أوْ عَبَرَتْ هَجْمَةٌ بنا تُرِكَتْ** تَكُوسُ بَينَ الشُّرُوبِ عَقرَاهَا
قال الواحدي: الهجمة من الإبل ما بين السبعين إلى ما دونها، والكَوْس المشْي على ثلاث قوائم. يقول: إذا مرّ بنا قطيعٌ من الإبل عرقبناها للنحر فتركناها تمشي بين الشاربين مُعَرْقَبَةً.
وَالخَيْلُ مَطْرُودَةٌ وَطارِدَةٌ**تَجُرّ طُولى القَنَا وَقُصْرَاهَا
قال الواحدي: يعني أنها في مطاردة الفرسان بعضها مطرودٌ وبعضها طاردٌ وفي لعيهم بالرماح تجرّ الطويلة منها والقصيرة والطولى تأنيث الأطول والقصرى تأنيث الأقصر.
يُعْجِبُهَا قَتْلُهَا الكُماةَ وَلا**يُنظِرُهَا الدّهْرُ بعدَ قَتْلاهَا
شرح ابن جني : يقول: يعجب الخيل قتل الكماة. ولا ينظرها الدهر بعد قتلاها: يقول إذا قتل الفارس فارسا لم يلبث القاتل أن يقتل. أي: فالحرب بينهم سجال لهم وعليهم.
وَقَدْ رَأيْتُ المُلُوكَ قاطِبَةً**وَسِرْتُ حتى رَأيْتُ مَوْلاهَا
قال الواحدي : يقول رأيت الملوك كلَّهم بأجمعهم وسرت في الأرض وسافرت حتى رأيت أعظمهم الذي يُحيى من شاء منهم ويميت من شاء، ومناياهم بكفّه يصرفها فيهم كيف شاء.
وَمَنْ مَنَايَاهُمْ بِرَاحَتِهِ**أمُرُهَا فيهِمِ وَيَنْهَاهَا
أبَا شُجاعٍ بِفارِسٍ عَضُدَ الـ**ـدّوْلَةِ فَنّاخُسْرُواً شَهَنْشَاهَا
أسَامِياً لم تَزِدْهُ مَعْرِفَةً**وَإنّمَا لَذّةً ذَكَرْنَاهَا
شرح ابن جني : أي: لم نذكر هذه الأسماء لنعرفه وإنما إلتذذنا بذكرها لشرفها والمجمع عليه من حسن أوصاف المسمى بها. وهذا هو معنى قول النحويين في الوصف: أنه يجيء في الكلام على ضربين، أحدهما: التخليص والتخصيص نحو مررت بزيد الطويل، وعجبت من أخيك الصغير، والثاني: الثناء والمدح والإسهاب والإطناب نحو قولنا (بسم الله الرحمن الرحيم) يؤكد هذا عندك قوله في البيت بعده:
تَقُودُ مُسْتَحْسَنَ الكَلامِ لَنَا**كما تَقُودُ السّحابَ عُظْمَاهَا
عظماها: معظمها وأعظم ناحية فيها وهذا واضح.
هُوَ النّفِيسُ الذي مَوَاهِبُهُ**أنْفَسُ أمْوَالِهِ وَأسْنَاهَا
شرح ابن جني الموسوم بالفسر : قال ابن جني: هذا تقصير في مدح ملك أن يقال له: هو النفيس.
قال ابن معقل: ولم كان ذلك تقصيرا، والنفيس: هو الشيء الفاخر المرغوب فيه، المضنون به يقال: نفس الشيء نفاسة، إذا كان كذلك. على أنه وإن كان فيه تقصير، فقد طوله حسن الترديد، وهو قوله:
هو النَّفيسُ الذي مواهِبُهَ ** أنفَسُ أمَوالِهِ وأسنَاهَا
لَوْ فَطِنَتْ خَيْلُهُ لِنَائِلِهِ**لم يُرْضِهَا أنْ تَرَاهُ يَرْضَاهَ
شرح ابن جني : أي: لو عرفت قدر عطائه وسعة عرفه لما رضيت منه بالاقتصار في العطية عليها.
الا تَجِدُ الخَمْرُ في مَكارِمِهِ**إذا انْتَشَى خَلّةً تَلافَاهَا
شرح الواحدي : قال الواحدي: يقول هو قبل الشرب متكرّم بالبذل والعطاء فلا يزيد تكرُّمهُ بشرب الخمر وليست في مكارمه خلّة تَتَلافاها الخمر. وأوّل هذا المعنى لعنترة حيث يقول، وإذا صَحَوْتُ فما أُقصّرُ عن نَدَىً، وكما عَلمت شَمائليِ وتكَرُّمي، وقريب من هذا زهير، أخو ثِقَةِ لا تُهْلِكُ الخَمْرُ مالهُ، ولكنهُ قد يُهْلِكُ المالَ نائِلُهْ، وقول أبي نواس فَتىً لا تَلُوكُ الخَمْرُ شَحْمَةَ ماِلهِ، ولكن أيادٍ عُوّدٌ وبَوادي، وقول البحترى، تكرَّمْتَ من قبل الكُؤوسِ عليهمِ، فما اسْتطَعْنَ أن يُحْدِثْنَ فيك تكَرُّماً، وألمّ الصابي بقول المتنبي فقال، في بعض محاوراته ولقد أتاه الله في اقتبال العمر جوامع الفضل وسوّغه عُنفُوان الشباب محامدَ الاستكمال فلا تجد الكهولة خلَّةٌ تتلافاها بتطاولُ المدة وثُلْمةٌ تَسدّها بمزايا الحُنكة.
تُصَاحِبُ الرّاحُ أرْيَحِيّتَهُ**فَتَسْقُطُ الرّاحُ دونَ أدْنَاهَا
شرح الواحدي : قال الواحدي: الأريحية النشاط للكرم والجود. يقول إذا اجتمعت الراح مع نشاطه للجود فأدنى أريحيّته تجلب من السخاء ما لا تجلبه الراح. أراد إنّ فعل أريحيته فوق فعل الراح، فلا تطيق الراح أن تُسامي أريحيّته فإذا سامتها سقطت دونها.
تَسُرُّ طَرْبَاتُهُ كَرَائِنَهُ**ثمّ تُزِيلُ السّرُورَ عُقْبَاهَا
بكُلّ مَوْهُوبَةٍ مُوَلْوِلَةٍ**قَاطِعَةٍ زِيرَهَا وَمَثْنَاهَا
الكرائن: جمع كرينة وهي العواده والكران: العود، أي إذا طرب وهب للقيان وأعطاهن ثم يزول سرورهن بأن يهبهن بما وهب لهن فإذا خرجن عن ملكه وصرن إلى غيره سخطن ذاك وبكين وولولن وقطعن أوتار عيدانهن.
تَعُومُ عَوْمَ القَذاةِ في زَبَدٍ**مِن جُودِ كَفّ الأميرِ يَغشَاهَا
شرح ابن جني : زبد: أي عطاء جم كالبحر الزبد وهو المزبد، أي تسبح هذه الجارية الموهوبة في جملة ما وهب معها كما تسبح القذاة في الموج.
تُشْرِقُ تِيجَانُهُ بِغُرّتِهِ**إشْرَاقَ ألْفاظِهِ بمَعْنَاهَا
شرح الواحدي : قال الواحدي: يعني شرق الدنيا ومغربها يقول أطاعه أهلُ الشرق والغرب ونفسه تستقلّ جميع الدنيا. وكذا كان يقول عضد الدولة سيفان في غمدٍ محالٌ يعني أنّ الدنيا يكفي فيها ملكٌ واحدٌ وكان يقصد أن يستولي على جميع الأرض.
دانَ لَهُ شَرْقُهَا وَمَغْرِبُهَا**وَنَفْسُهُ تَسْتَقِلّ دُنْيَاهَا
شرح الواحدي : قال الواحدي: يقول إذا وضع التاج على رأسه أشرق تاجُه بإشراق وجهه كما تشرق ألفاظُه بمعانيها.
تَجَمّعَتْ في فُؤادِهِ هِمَمٌ**مِلْءُ فُؤادِ الزّمَانِ إحْداهَا
قال الواحدي: استعار للزمان فؤاداً لما ذكر فؤاد الممدوح، والزمان أوسع شيءٍ. يقول إحدى هممه تملأ الزمان فإذا امتلأ الزمان بإحداها لم يظهر باقي هممه إلا أن يقع اتفاقٌ كما ذكر في قوله:
فإنْ أتَى حَظُّهَا بأزْمِنَةٍ**أوْسَعَ مِنْ ذا الزّمانِ أبْداهَا
شرح الواحدي : قال الواحدي: يقول إن أتى بخت هممه بزمانٍ أوسعَ مما ترى، أبدى تلك الهمَم وهذا كقوله، ضاقَ الزمانُ ووجهُ الأرض عن مَلِك.
وَصَارَتِ الفَيْلَقَانِ وَاحِدَةً**تَعْثُرُ أحْيَاؤهَا بمَوْتَاهَا
شرح ابن جني : أي صار الجنسان واحدا لأنه يثني أحدهما على الآخر.
وَدارَتِ النّيّرَاتُ في فَلَكٍ**تَسْجُدُ أقْمَارُهَا لأبْهَاهَا
شرح ابن جني : يعني بالنيرات الملوك، وأصحاب الجيوش في جيش تجمع من جيوش كثيرة فتلك النيرات وهي الأقمار يعني الملوك تسجد للملك رضي الله عنه طاعة له وتضاؤلا بين يديه.
ألفَارِسُ المُتّقَى السّلاحُ بِهِ **الــمُثْني عَلَيْهِ الوَغَى وَخَيْلاهَا
شرح ابن جني : أي السلاح يتقي به لأنه لا يتقي هو السلاح لتقصيره عنه أن يعمل فيه شيئا.
لَوْ أنْكَرَتْ منْ حَيَائِهَا يَدُهُ**في الحَرْبِ آثَارَهَا عَرَفْنَاهَا
وَكَيفَ تَخْفَى التي زِيادَتُهَا**وَنَاقِعُ المَوْتِ بَعضُ سِيمَاها
شرح الواحدي : قال الواحدي: المراد بالزيادة هاهنا السوط وهو مأخوذ من قول المرّار،:
ولم يُلقوا وَسائدَ غيرَ أيْدٍ**، زِيادَتُهُنَّ سَوْطٌ أو جديل
يقول: كيف تخفي اليد التي سوطها يُقتل به، فكيف سيفها، والناّقع الثابت، ويقال سمّ ناقع إذا كان ثابتاً في نفس شاربه حتى يقتله. والمعنى كيف تخفي آثار يدٍ سوطُها والموت به من علاماتها. يعني أنه من ضربه بسوطه قتله.
ألوَاسعُ العُذْرِ أنْ يَتِيهَ على** الــدّنْيَا وَأبْنَائِهَا وَمَا تَاهَا
شرح الواحدي : قال الواحدي: يقول لو تاه على الدنيا وتكبّر على أهلها لكان له العذر لبيان مزيته عليهم، ولكنه لم يفعل ذلك كما قال الآخر، وما تَزْدهينا الكِبْرِياءُ عَلَيْهِم، إذا كَلَّمونا أنْ نُُكلّمَهْمْ نَزْرَا.
لَوْ كَفَرَ العالَمُونَ نِعْمَتَهُ**لمَا عَدَتْ نَفْسُهُ سَجَايَاهَا
قال الواحدي: يقول لو لم تُشكر نعمته وقوبل أنعامه بالكفران لم يدع الجودَ ولا تركت نفسه سجيته لأنهُ مطبوعٌ عليها، وليس يعطي للشكر حتى إذا لم يُشكر قطع العطاء كما قال بشّار، لَيْْسَ يعُطيكَ لِلرَجاء ولا الخَوْفِ ولكِمْ يَلَذُّ طَعْمَ العَطاءِ.
كالشَمسِ لا تَبتَغي بما صَنَعَتْ**مَعْرِفَةً عِنْدَهُمْ وَلا جَاهَا
شرح الواحدي : قال الواحدي: ضرب له المثل بالشمس فإنّ أكثر منافع الدنيا منها تحصل؛ ثم هي لا تبتغي بصنْعها منفعة عند الناس ولا جاها وذلك أنها مسخَّرة لتلك المنافع. كذلك هو مطبوعٌ على الجود والكرم.
وَلِّ السّلاطِينَ مَنْ تَوَلاّهَا**وَالجَأْ إلَيْهِ تَكُنْ حُدَيّاهَا
شرح الواحدي : قال الواحدي: حديّا الشيء ما يكون مُتَحَدّياً له معارضاً مبارياً يقال هو حدّيا الناس أي معارضٌ لهم ومنه قول عمرو، حُديّاَ الناس كُلَّهِم جميعاً، مُقَارَعَةً بَينهِمْ عن بَنينا، يقول كل أمر الملوك إلى من يتولاّهم أي لا تخدُمْهم ودَعْهم ومن يتولاهم ويخدمهم ويوالهم وألجأ إلى الممدوح تكن مثلَ السلاطين والملوك. وهذا مأخوذ من قول بعض الواعظين يا عبدَ اللهّ صانعْ وجهاً واحداً تُقْبِلْ عليك الوجوهُ كلُّها وروى حذياها بالذال على تصغير قولهم هو حذاءٌ فلان إذا كان بازائه والمعنى تكن بإزاء السلاطين أي مثلهم.
وَلا تَغُرّنّكَ الإمَارَةُ في**غَيرِ أمِيرٍ وَإنْ بهَا بَاهَى
شرح الواحدي : قال الواحدي: يقول لا تعتقد الإمارة في غيره وإن كان يباهي بها.
فإنّمَا المَلْكُ رَبّ مَمْلَكَةٍ**قَدْ أفْعَمَ الخافِقَينِ رَيّاهَا
شرح الواحدي : قال الواحدي: يقال قد فغمتهْ الرائحةُ إذا ملأت خَياشيمه يعني أنّ ذكرَ مملكته قد ملأ الدنيا شرقاً وغرباً فهو الملك على الحقيقة.
مُبْتَسِمٌ وَالوُجُوهُ عَابِسَةٌ**سِلْمُ العِدى عِندَهُ كَهَيْجاهَا
مواقع النشر (المفضلة)