الـسـلام عـلـيـكـم ورحـمـة الله وبركاته،،
قـصـص الغرائب والعجائب، وخاصة الواقعية منها،، كثيرة جدا،، ولكن
القليل منها يصلنا،، بينما الجزء الأكبر لا يصل ولا نسمع به،،
ومن القصص الواقعية التي حضرتها بنفسي،، إليكم هذه القصة:
في تلك الليلة الدامسة،، تهبُّ نسمات قطبية تلسع الوجنات المنكشفة،،
وتحمر لها شحمة الأذن،، ليلة تقشعر لها الأبدان،، قطرات المطر كأسلاك
ضوئية تخيط الفضاء الذي مزقته صيحات فتاة في مقتبل العمر،، فتاة في
سنها السادسة عشرة...
في تلك الليلة،، باتت الشوارع ملكاً للقطط والكلاب الشاردة،، لا تسمع إلا
المواء والنباح،، ممزوجة بين الفينة والأخرى بخشخشة أكياس البلاستيك
التي تبحث فيها القطط عن سحورها الذي قذفته الموائد بعد تخمة أصحابها،
أو يجرجرها نسيم الفجر مع الجدران............
صيحة الفتاة انفطر لها الكون،، واقشعرت لها الأبدان،،، بدأت تسري الأضواء
في المنازل كسريان الماء في الجداول والسواقي لتروي الغرس أيام الحر
وصرتَ لا تسمع إلا طقطقات المفاتيح وهي تفتح الأبواب الخارجية،،،،
من شدة هول الصيحة توقفت الأنفاس،، وارتبك السكان،، ولم يجد بعضهم
إلا قطعة من فراشه يتدثر بها ليستر عظامه ومفاصله من تعشش الصقيع
فيها،، وبعضهم تحدى ذلك وخرج في ملابس نومه؛؛؛ نساء ورجال،، شبان
وشابات،، صغار وصغيرات،، شيوخ وأطفال،، كلهم خرجوا لتتبع خيط الصيحة،،
يسترقون السمع بأعين شبه مغمضة خشية اصطدامها بزخات المطر،، منهم
مَن عرف مصدر الصوت فهرع نحوه،، ومنهم من استرشد بالمهرولين،،
والبعض الآخر وقف متردداً،، يريد التأكد من مصدرها قبل أن يقرر:العودة
أم الاستمرار،،، كلما اقتبرنا من المصدر ازداد وضوح الصيحة:
= ياويلي،، يا أبتي،، يارب ما بك يا أبتي ؟؟،، حسبي الله ونعم الوكيل ياأبتي،،
ياعباد الله،،، يا أبتي،،، شكواي لله يا أبتي......
تلكم كانت صواريخ الصيحة تتقاذفها شفاه الفتاة الشقراء لتخترق جدارالصمت
الليلي،، فتنفجرَ في الفضاء مكسِّـرة ً خيوط الزخات،، تلك الشقراء التي لا
يراها إنسان إلا ويقول في نفسه: سبحان من خلقها بهذا الجمال !!!!
بينما الأب يهمهم لها بكلمات لم يتضح منها إلا القليل،، تارة يريد تهدئتها،،
وتارة ينهرها،، وبين هذه وتلك كلمات لم نستدركها،، كل ما أدركناه أنه لـم
يكن سوياً سليماً،، بل كان مخموراً،، حتى إن رائحة الخمرالكريهة كانت
تزكم أنوفنا ونحن نضع آذاننا على الباب لنسترق السمع......
تنادي الفتاة على أمها التي ودعتها قبل شهر ونصف فقط،، وفضلت الأم
أن تسكن تحت الثرى بعيدة عن المخلوقات،، تمنت الفتاة لو أخذتها أمها
لتعيش معها وتؤنسها،، بدلا من أن تتركها مع هذا الغول ــ أبيها ــ الذي
استغل إعاقتها الحركية،، ليفعل بها ما أملاه عليه شيطانه،، ليفض بكارتها
ويتركها كمنفذ للرياح التي لا ترحم،، ليسرق منها ذلك الشعاع الوحيد الذي
كانت تتمنى أن تخيط به عشها مع أحد المؤمنين الذين يرقـٌّون لحالها،،،
وينجذبون بجمالها،،،، وهاهو الأب يحرق ذلك الشعاع،، وانتهت الحياة
ــ في نظرها ـــ ودفن المستقبل،،، ولم يعد لها أمل في أن تعيش بعد اليوم،،
هذا مضمون ماكانت تتمتم به ونحن نتناوب على وضع آذاننا على الباب....
وبعد عشرين دقيقة تقريبا،، سمعنا منبه سيارة الإسعاف وسيارة الشرطة
قادمين،،،، لعل أحد الجيران لم يبخل بهاتفه ليأخذ ولو قليلا من الأجر،،،،
فهتف للشرطة وأخبرهم بالحادث،،
توقفت سيارة الشرطة وسيارة الإسعاف،،، ونزلت الشرطة محاولة فتح طريق
لها وسط الجمهور،، يتبعهم ممرضون يحملون المحمل،،، تقدم الضابط إلى
الباب وصاح بأعلى صوته:
= افتح الباب،،، نحن رجال الشرطة،،،،
همهمات غير واضحة كأنه ــ الأب ــ يعاتبها على فضحه أمام الناس والشرطة،
أو أنه يرد على الشرطة بأنه لن يفتح لهم الباب،،، أعاد الضابط عدة مرات
نداءه،، ويترك فترة زمنية للأب لعله يفكر في فتح الباب،،
انقطع صوت الفتاة فجأة،،، ظن رجال الشرطة أن توقف الصوت المفاجئ
وراءه شيء ما،، نظربعضهم إلى بعض في استغراب وتعجب،، ربما يكون
قد أجهز على أنفاسها الأخيرة،،، وإذا بالضابط يشير برأسه جهة الباب،،،
فما كان من أحد رجال الشرطة سوى أن يركل الباب بركلتين شطرها إلى
نصفين،،، دخلوا بسرعة، والممرضون خلفهم، ولم يبق سوى شرطي واحد
يمنع الناس من الاقتراب من الباب،،،
وبعد قليل،، خرج الممرضون بجثتها هامدة فوق المحمل،، لم نتأكد من حياتها
إلا بعد أن رأينا من خلف زجاج سيارة الإسعاف ممرضاً يحقنها بحقنة،،،،
وآخر يضع جهاز التنفس الاصطناعي على فمها،، حينئذ أدركنا أنها مغمى عنها،،
ثم خرج الرجل ــ الأب ــ مكبل اليدين يحمله رجال الشرطة من منكبيه،،،
وانطلقت سيارة الإسعاف إلى المستشفى،، بينما سيارة الشرطة انطلقت خلفها
ولكن للمخفر للقيام بواجبها،، والتحقيق معه في أمرالمصيبة التي أدت به
إلى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟
مواقع النشر (المفضلة)